رئيس التحرير
عصام كامل

ارفعوا أيديكم عن الملاحدة


"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ"، ولكنَّ نوابَ الشعبِ المغاويرَ، أرادوا التمرُّدَ على هذا النصِّ الإلهىِّ، وقرروا ملاحقةَ منْ لا يجاريهم في الهدايةِ، ولا يشبههُم في الرشادِ.. النوابُ المغاويرُ يبحثونَ تشريعَ قانونِ يُجرِّمُ الإلحادَ، ويتدارسونَ ملاحقةَ الملحدينَ، وإنزالَ أشدِّ العقابِ بهم، وربما يبلغُ الشططُ بأصحابِ المشروعِ مبْلغًا، فيدرجونَ ضمنَ موادِّ القانونِ البائسِ مادةً تنصُّ على: أنَّ الملحدَ سوفَ يدخلُ النارَ، وبئسَ المصيرُ، وإنْ تابَ وأنابَ وصارَ "مؤمنًا كاملَ الإيمانِ مثلَهم"! فكرةٌ ساذجةٌ تعكسُ فوضى التشريعِ في "المجلسِ الموقَّر"، سبقتْها أفكارٌ ساذجةٌ، وسوفَ تتبعُها أفكارٌ أشدَّ سذاجةً.


المجلسُ العاجزُ عنْ إنجازِ قوانينَ مهمةٍ وشعبيةٍ، يعتزمُ التنقيبَ في أدمغةِ البشرِ وأفئدتِهم، وفكِّ شفراتِها، وتغليظَ العقوبةِ لمنْ لم يتبعْ ملَّتَهم، حتى لو خالفَ مسعاهم المريبُ نصوصًا قرآنيةً قاطعةً، لا تقبلُ تشكيكًا أوْ تأويلًا. العلىُّ العظيمُ يقولُ في قرآنِهِ الكريمِ: "أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"، ويقولُ: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، ويقولُ: "لكمْ دينُكم ولىَ دينِ".. الدكتور "مصطفى محمود" يومًا ما كانَ مُلحدًا، ولكنَّ هذا الملحدَ سرعانَ ما عادَ وحدَهُ، دونَ قانونٍ يطاردُهُ، أو عقوبةٍ يخشاها، إلى طريقِ الصوابِ، وأنتجَ عقلُهُ العائدُ منْ الإلحادِ، برنامجًا علميًا عظيمًا ومؤلفاتٍ غزيرةً نافعةً، لمْ ولنْ يُنتجَ أصحابُ المشروعِ الواهنِ، واحدًا في المائةِ منها.

إحصائياتُ أمريكيةٌ تقدَّرُ عددَ الملاحدةِ المصريينَ بـ 3% منْ إجمالى السكانِ، أي نحو 3 ملايينَ شخصٍ، وهذا الرقمُ مُبالغٌ جدًا فيه، وتبدو مثلُ هذه الإحصائيةِ مُغرضةً وتنطوى على أهدافٍ خبيثةٍ، ولكنْ لو افترضنا صحةَ هذه الإحصائيةِ، فما يضيرُكم أيها المهتدونَ؟ الملحدونَ، رغم خُبثِ أفكارِهم وقُبحِها، لم يتورطوا يومًا في تفجيرِ مسجدٍ أو كنيسةٍ، ولمْ ينشغلوا بـ "عبثية ِالحلالِ والحرامِ" التي وصلتْ بنا إلى تحريمِ تهنئةِ شركاءِ الوطنِ بأعيادِهم. هناك قضايا أشدُّ خطورةَ على المجتمعِ منْ إلحادِ الملحدينَ، طالما دفنوا إلحادَهم في صدورِهم ولم يجهروا به أو يحرِّضوا عليه.

مجتمعُنا مُفككٌ أخلاقيًا وثقافيًا، ويحتاجُ إلى منْ يُرمِّمُ أوجاعَه، يجبُ علينا أنْ نبحثَ في كيفيةِ وقفِ وتيرةِ الفسادِ المتسارعةِ، والأخلاقِ المنهارةِ، حتى أصبحتْ مصرُ في مقدمةِ البلادِ المتراجعةِ على صعيدِ القيمِ والمبادئِ والأعرافِ الإنسانيةِ والأخلاقيةِ، وفى مؤخرةِ الدولِ المتقدمةِ علميًا واقتصاديًا وسياسيًا.. أما الملاحدةُ فلن يُثنيَهم عن إلحادِهم قانونٌ لا يساوى المدادَ الذي سوفَ يُصاغُ بِهِ، ولكنْ سوفَ يعيدُهم إلى رشدِهم، أنْ يتخلصَ المتمسحونَ بالأديانِ منْ نفاقِهم وضلالِهم.. هذا النفاقُ، وذاك الضلالُ، فقطْ ولا شيء غيرُهما، هما اللذانِ دفعا الملحدينَ إلى إلحادِهم، خلالَ السنواتِ القليلةِ الماضيةِ.. فيا رافعى ألويةِ الفضيلةِ والدفاعِ عن الأديانِ.. استقيموا يرحمْكم اللهُ، ودعوا الخلقَ للخالقِ، هو أعلمُ بهم.
الجريدة الرسمية