رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

نيويورك تايمز وصناعة الحدث


صناعة الحدث حرفة، وتسويقه بعد صناعته حرفة أخرى، وعادة ما يتنافى الحدث المصنوع مع الواقع، لكنه يخدم فكرة بعينها قد يكون المستفيد منها شخص أو فصيل أو دولة، وفي السنوات الأخيرة تحولت صناعة الحدث إلى ظاهرة استمدت قوتها من التقنيات الحديثة، وكان الضامن لاستمرارها صراع محموم بين الدول، يتجدد وفقًا لمصلحة كل دولة، أما المتغيرات التي طرأت على المنطقة العربية فجعلت منها المصنع الأكبر للأحداث في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من أن الريادة الإعلامية كانت لنا.. فإن الاحترافية ذهبت لغيرنا، وكان الفعل من عندنا.. فذهب لغيرنا وصرنا نحن رد فعل، أما المليارات التي ننفقها سنويًا.. فأصبحت عاجزة عن مواجهة تقرير مدته لا تزيد على دقيقتين، والعجز سببه الشللية التي تحكمت في الصناعة والمجاملات الصارخة التي أصابت الإعلام المصري في مقتل، حتى أصبح المشهد كاملًا عبئًا على القيادة السياسية، وأصبح إعادة النظر في أغلب الوجوه التي تطل من الشاشة ضرورة تحتمها حالة الغليان في المنطقة، تلك الحالة التي لا تعترف إلا بلغة الاحتراف، لا بتوزيع التورتة على المحاسيب، وبالتأكيد سيأتي اليوم الذي يحاسب فيه كل شخص على ما ارتكبه من جرائم في حق الإعلام المصري، وفي حق الرئيس الذي أصبحت وقفته مع الإعلام حتمية لغربلة الشاشات من الهواة وأنصاف المواهب.


على مدى الأيام الثلاثة الماضية.. جرجرتنا صناعة الحدث كالعادة إلى منطقة رد الفعل، فلم يعد خافيًا على أحد الدور الذي تلعبه "نيويورك تايمز" ضد مصر، ولم يخف على هاوي أن المقال الذي كتبه ديفيد كيركباتريك في الصحيفة تمت صناعته في هذا التوقيت للإساءة إلى مصر ورئيسها، حيث اعتمد على مكالمات أجراها ضابط مزيف ادعى أنه يتبع جهاز المخابرات مع أربعة مصريين ليملي عليهم ما يقولوه في وسائل الإعلام بشأن قرار ترامب الخاص بإقراره القدس عاصمة لإسرائيل، فالحدث بدأت صناعته من فكرة الاتصال ثم جاء تسويقه من خلال مقال نيويورك تايمز، بعدها استقر في الأماكن التي أسهمت في إنتاجه وهي قنوات الجزيرة ومكملين والشرق وغيرها من القنوات، وكان لكل قناة دور لا تتخطاه في عملية التسويق لحدث بني على كذبة، وديفيد كيركباتريك نفسه كان آداة تم استخدامها، والمتصل بالمصريين الأربعة يعمل في إحدى هذه القنوات، لكنهم فضلوا أن تكون نيويورك تايمز هي المصدر لينفوا عن أنفسهم شبهة فبركة الحدث وهم الضالعون في صناعته، وتلك حيلة يلجأ إليها من يعملون في قنوات ويحملون توجهات معينة.

أما نحن فلا أستطيع أن أجزم أننا لم نقع في الفخ، وكنت أتمنى أن نتريث في الرد على المتصل، خاصة أنه يتحدث بطريقة سطحية لا يمكن أن تصدر عن ضابط يعمل في جهاز سيادي، لكن الرد عليه يمثل جزءًا من العشوائية الإعلامية التي نعيشها، فليس عيبًا أن أتعامل كإعلامي مع أجهزة سيادية، بل إن قوة الإعلامي تقاس بانفتاحه على هذه الأجهزة، وكاذب من يدعي غير ذلك، وكاذب أيضًا من يدعي أن الإعلام في كل دول العالم لا يتم توجيهه من أجهزة مخابراتية، حتى نيويورك تايمز نفسها تتحكم تلك الأجهزة في المواد التي تنشرها.

لقد انبرى الإعلام المصري في الدفاع عن نفسه طوال الأيام الماضية، معتبرًا أن توجيه جهاز المخابرات له تهمة، وسمعت بعض من تم استدراجهم للتسجيل مع الضابط المزيف يؤكدون أنهم لا يتلقون توجيهات من أجهزة، وتلك عشوائية أخرى، لأن الوطنية والخوف على أمن مصر في ظل هذا التربص يحتم علينا أن تكون تلك الأجهزة مرجعيتنا في بعض القضايا، وهذا معمول به في كل دول العالم، لكن هذه النغمة في النفي كانت من مخلفات فوضى يناير التي جعلت من تعامل الإعلامي مع أجهزة الأمن تهمة، رغم أن التهمة الحقيقية هي التوجيهات التي كان يتلقاها هؤلاء من أجهزة خارجية لتخريب مصر، وكل من عمل في صحف أو قنوات أجنبية يعلم أن الاجتماع الصباحي في كل صحيفة أو قناة لابد أن يحضره ممثل لجهاز المخابرات الذي يملي تعليماته على الجميع.

أزمة تسريبات نيويورك تايمز ليست في اتهام القنوات التي صنعتها بتدخل أجهزة المخابرات في توجيه الإعلام المصري، لأن هذه القنوات وغيرها لا تعمل إلا بتوجيهات ومن مخابرات معادية لمصر، لكن الأزمة الحقيقية هي انشغالنا بنفي التهمة، فالحياد الإعلامي غير الموجود في أي من دول العالم.. هو خيانة إذا كان الوطن يتعرض للخطر، لكنها البضاعة التي يسعى البعض لتصديرها لنا وهو لا يستخدمها، والأزمة أيضًا في التعامل بسطحية مع المتصل والحديث معه دون التعرف على شخصيته الحقيقية، فالمفروض أن كل إعلامي معه الهواتف الخاصة بكل من يتعامل معهم حتى لو كانوا من أجهزة سيادية، وأخيرًا.. علينا أن ننشغل بما هو أهم في هذه الأزمة.. وهو محاولة لي الحقائق والطمث على الدور الذي لعبته مصر بعد قرار ترامب، أما عشوائية الإعلام وسطحية بعض العاملين فيه والشللية التي أساءت إليه فتلك أزمة أخرى نعتقد أن المسئولين سوف يتوقفون أمامها. basher_hassan@hotmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية