رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

جنازة «نافع».. رد اعتبار له أم لكم؟!


ودعت أمس الجماعة الصحفية المصرية، والعربية، في جنازة مهيبة دامعة، الكاتب الكبير والإداري الناجح ونقيب الصحفيين المصريين الأسبق الأستاذ إبراهيم نافع.. كانت الجنازة انقلابا بالعرفان على ناكري الجميل وجاحدي العطاء والمتخلين بالصمت أو بالتواطؤ عن الرجل الذي طعن في السن وطعنه المرض في بلاد الغربة، لسبع سنوات، ظل خلالها سجين اتهامات لم يحسمها القضاء.. بالفعل لم يحسمها القضاء ليبرئ ساحته، أو ليدينه، ومع ذلك فإن فينا من رضي للغوغاء والدهماء أن يحتذوا عقله وضميره في أقدامهم، وانساق وراء دعاوي التشهير والتسفيه والتشريد.


قبل وفاته بأيام قليلة نادى المريض الذاهب إلى لقاء ربه نداء المشتاق إلى وطنه، وقد نفى نفيًا طوعيًا، فما من أحد رق، وما من أحد بذل جهدًا حثيثًا، وما من أحد جمع الجماعة الصحفية الشريفة وجعل الناس في حملة توقيعات جماعية تمهد وترجو وتطلب إعادة الرجل وهو بعد في الرمق الأخير، ليتنفس هواء الوطن الذي أحبه، والمهنة التي أعطاها، وليطمئن قلبه وهو وسط أهله ومحبيه وجيرته وتلاميذه.

شيء من هذا كله لم يقع في حياته، ولكنه وقع أمس وهم يلتفون حول صندوق الجثمان المسجى في الأكفان الخضراء! بكوا من القلب، وأجهشوا في البكاء، وتحسروا على ما فات، وكانوا مع إعلان الوفاة قبلها بيوم كتبوا المقالات، ونشروا البوستات، وتذكروا أفضاله.

قليل مما فعلوه بعد الموت كان يمكن أن يسعد قلبه ويرد إليه اعتباره لو فعلوه قبل الموت ولو بيوم أو بعض يوم! لكن هذا هو نحن، وهذا هو طبعنا السيئ الرديء لا نعرف للناس قدرهم إلا بعد مجيء قدرهم.. فما بالك وهم يعيشون تحت وابل من الاتهامات، تتحول إلى أحكام نهائية على ألسنة الغوغاء، بصمت العقلاء وأصحاب المنافع.

نعم نترك الناس موتى وهم أحياء، لا نذكر لهم فضلا ولا عطاء، واذا مرضوا تجاهلناهم، حتى إذا حضرهم الموت شققنا الجيوب وسترنا العيوب، وتحولنا إلى ندابات ومعددات بل دلالات أموات، الحضور الكبير للعائلة الصحفية في بيت العيلة الكبير، الأهرام العظيم، هو تكفير عن ذنب الإهمال الأعظم في حق رجل له أفضال على كثير ممن حضر معزيًا فيه باكيًا عليه، داعيًا له بالرحمة.

حسنا لقد رحل الأستاذ إبراهيم نافع، ولا يزال في جيل الأساتذة من يمتعه الله بالصحة والعافية والعطاء، وعلينا أن نوقرهم وأن نواصل الامتنان لهم، عرفانًا، وتقديرًا واحتسابا ليوم نصير فيه مثلهم أو في مكان ولو صغير مما شغلوه في القلوب وفي العقول، توقير الكاتب الراحل أمس، وإخراجه من داخل الأهرام العظيمة التي شيد فيها، وأضاف إليها، وهو ما أراده نقيب الصحفيين الصديق عبد المحسن سلامة، رئيس مجلس الإدارة الحالي، ينطوي على رد اعتبار كبير، وجبرًا لكسر وشرخ واسع في نفوس عائلته، القريبة والجماعة الصحفية، ثم فيه درس آخر لنا وللأجيال الشابة من الصحفيين، أنه لا يجوز دفن الأساتذة كيدًا وغلا وإخلاء للساحة الصحفية.

الموهبة والمهنية والشرف والإخلاص شروط صنعت إبراهيم نافع ومكرم محمد أحمد وإبراهيم سعدة وصلاح منتصر، ومحمد عبد الجواد، وعشرات غيرهم، يبقى أن نقول إن الأستاذ وحد الجماعة الصحفية، الجمعية العمومية، في أزمة القانون ٩٣، في مواجهة الرئيس مبارك، وأدار مع السلطة حوارًا عاقلا صبورًا، أسفر عن حماية حرية الصحافة، وانحاز الرئيس الأسبق مبارك وقتها للحرية، وهذا حقه وينبغي الاعتراف به، ووحدها إبراهيم نافع أيضًا في وفاته، ومنحها فرصة تطهير الذات والصدور قبل أن توارى بالقبور.
Advertisements
الجريدة الرسمية