رئيس التحرير
عصام كامل

مكايدة للسودانيين.. لا للمصريين


الخطوة التي أقدم عليها الرئيس السوداني عمر البشير بتسليم الحاكم "العثمانلي" أردوغان جزيرة "سواكن"، طواعية، وبالمجان، أقل ما تُوصف به أنها "مكايدة لمصر والمصريين".. هو لا يدرك أن الأمن القومي لبلاده، إن كان حاكما مخلصا، مرتبطٌ بالأمن القومي للشقيقة الشمالية، ولا ينفصم عنها، أبدًا.. الأمر لا يخضع للأهواء والآراء الشخصية له، ولمحرضيه.. هو لا يدرك أنه صوب فوهة البندقية باتجاه رأسه!


وصف "المكايدة" ليس من عندي، بل من مواطنين سودانيين، ردا على حكومتهم، ونظامهم الحاكم، الذي يرتمي تارة في أحضان "قطر"، فيستقبل الشيخة "موزة"، ممنيا نفسه بالأماني، فإذا بها تكتفي بإلقاء الفتات، وتطير.. وتارة بين ذراعي "أردوغان"، الذي استولى على النصيب الأوفر من الغنيمة، والتهم جزيرة استراتيجية، وموقع لقاعدة عسكرية، وأيضًا "شبل" مهدى من البشير، واحتفى برفع أصابعه الأربعة، أمام الكاميرات، وثَمَّ وصف آخر بأنه "احتلال تركي جديد مع حلول الذكرى الثانية والستين للاستقلال".

السودان يعاني بشدة اقتصاديًا.. فعلى الرغم من خطوة "ترامب" برفع العقوبات، لا تزال الأوضاع الداخلية بالغة السوء.. "البشير" ألقى بأبنائه في أتون "اليمن"، وضحى بأرواح شبابه، بدون حساب، ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وطفق يصطنع الخلافات الخارجية، مع روسيا، ثم مع مصر، فالسعودية، والإمارات؛ ويلعب بعواطف شعبه؛ لإلهائه عن الأزمات الداخلية، مثل لقمة العيش والصحة والتعليم والبنية التحتية وحقوق الإنسان.. وأخيرًا وجد ضالته في استقدام الاحتلال العثماني ثانية.

مواطنون سودانيون يحذرون قائلين: "عما قليل سنصمت بعد اكتشافنا أن تركيا أخذت، ولم تعطِ.. ومن بين الذي أخذته سواكن؛ بمبانيها.. وآثارها.. وتاريخها.. وأرضها.. وتُدرج في قائمة عديد المأخوذ منا، بلا عطاء.. ولا مقابل.. أو بقليل عطاء لا يساوي قيمة الأرض… والعَرض… والعِرض (السيادي).. والأسوأ من ذلك أننا نستعدي علينا آخرين بلا داع… ولا ثمن.. كل تحالفاتنا – ذات الضجيج – تبدو وكأنها تضمر في جوفها كيدًا نحو آخر"!

وينوهون كذلك إلى سرور "أردوغان" الشديد بإغاظة الأشقاء المصريين، فزاد من تلويحاته (الرباعية) التي تحتمل رمزية ميدان (رابعة)، على حد قول أفراد من الشعب السوداني.. متسائلين: "إلى متى نواصل هذا (العبث) السياسي والسنون تمضي؟!".. التساؤل من مقال لكاتب سوداني هو "صلاح الدين عووضة" في "صحيفة الصيحة".

يقول آخر: "التركى (أردوغان) يريد أن يستعمر السودان من جديد، وبوابته إلى ذلك مدينة سواكن، التي أعطاها له البشير وكأنها ملك شخصى له يتصرف فيه كما يحلو له، ولا يدرى أحد على أي أساس أعطاها له، وبأى قانون، وأى علم سيرفع عليها؟! الديكتاتور التركى الذي تسبّح الجماعات الإسلامية بحمده ليل نهار، وتدّعي أنه الحاكم الإسلامي القدوة الذي سيعلي شأن الدين ويكتب اسمه بأحرف من نور على صفحات التاريخ البشرى، ويثبت للعالم أجمع أن الإسلاميين هم الأجدر بالحكم بسبب إيمانهم المخلص لله تعالى ونظافة يدهم وعفة لسانهم، يريد استعمار السودان، ويزيده فسادًا على الفساد الذي يعاني منه بسبب المتأسلمين ونظامهم الفاشى!!

نعم، يزيده فسادًا، فهو حاكم فاسد مثل غيره من المتأسلمين الذين يتاجرون باسم الدين، ولقد أثبت ذلك المدعى العام التركى قبل بضعة أعوام، عندما وقف بشجاعة وراء تحقيقات الفساد في تركيا التي طالت عددا كبيرا من أرفع المسئولين في حزبه الشهير بـ (العدالة والتنمية)، واتهم (أردوغان ) وزبانيته الذين يتسربلون بلباس الدين ويضعون على رءوسهم عمائم العدالة ليظهروا للناس وكأنهم رسل العناية الإلهية الذين ابتعثوا لإنقاذ العالم من الشرور والمفاسد، بإعاقة سير العدالة ووضع العراقيل في طريقها بتيسير هروب ابن أردوغان إلى جورجيا!!".. "زهير السراج.. صحيفة الجريدة".

الكثيرون من السودانيين الوطنيين يرون أن "البشير" كتب كلمة النهاية لحكم "الإنقاذ" بتلك الخطوة الحمقاء، مؤكدين أن "المكايدة" ليست موجهة لأي من الجيران، بل نحو الشعب السوداني نفسه!
الجريدة الرسمية