رئيس التحرير
عصام كامل

أردوغان يبسط النفوذ الإخواني في أفريقيا


استغربت توقيت ومضمون تصريح وزير الخارجية سامح شكري عن العلاقة مع تركيا ورغبة مصر في تجاوز التوتر معها، حيث أوضح أن "الأوضاع مع تركيا على ما هي عليه، وإن كنا دائمًا نؤكد الرغبة في تجاوز أي توتر، ولكن على أساس مبادئ عدم التدخل في الشئون الداخلية لمصر، وعدم الإساءة بأي شكل من الأشكال لها.. نستمع من حين لآخر لرغبات من بعض المسئولين الأتراك للتقارب، ولكن على تركيا أن تعتمد هذه المبادئ حتى نعود لعلاقة طبيعية".. تصريح شكري فسرته "الجزيرة" والإعلام الإخواني بأن مصر أعيتها الوسيلة مع تركيا فاضطرت إلى الانحناء واستجداء المصالحة وإنهاء التوتر بين البلدين!! كما لم يوفق شكري في اختيار توقيت التصريح، الذي سبق زيارة أردوغان للسودان بيوم واحد، وكان عليه الانتظار لما تسفر عنه زيارة أول رئيس تركي للسودان منذ استقلالها، وعلى ضوئها يصرح كيفما يشاء، لكنه التسرع وسوء التقدير المصري المعتاد؟!


قبل التطرق إلى زيارة السودان، تجدر العودة إلى بداية تولي أردوغان رئاسة حكومة تركيا، بعد سيطرة "حزب العدالة والتنمية" على الانتخابات، حينها تبنى أردوغان بذكاء شديد مبدأ "صفر مشكلات مع الدول"، وعليه تمكن من استقطاب الجميع وعقد علاقات وثيقة مع غالبية الدول، وبعدما تمكن من السلطة وأحكم سيطرته على مفاصل ومؤسسات الدولة، بدأت تظهر نزعته الديكتاتورية ويضيق بمعارضيه، وحتى يصرف النظر عن مشكلات الداخل وأزماته، غير شعاره ليصبح "صفر دول دون مشكلات" وأعلن عن مشروعه الكبير في استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، وبسط نفوذه "الإخواني" على حساب دول أخرى.. أيد الأتراك "الموالون" مشروع أردوغان في التوسع بالشرق الأوسط في مواجهة التوسع الإيراني "الشيعي"، لكن تركيا "العلمانية" رفضت فكرة "الأخونة" من أساسها وفضلت علاقات وطيدة مثمرة مع أوروبا والغرب، لأن الشرق الأوسط مضطرب على الدوام والتنظيمات الدينية ضررها أكثر من نفعها.

لم يلتفت الطاغية أردوغان للمعارضة، وعمل على تنفيذ المشروع "الإخواني" بالتعاون مع التنظيم الدولي الإرهابي، وكان له يد طولى في إرباك الداخل المصري بمشاركة "حلف الإخوان" قطر وحماس والسودان، والأمر نفسه فعله في ليبيا وسوريا والعراق.

حين تغير ميزان القوى في المنطقة واختلف أردوغان مع روسيا العام الماضي، سعى جاهدًا لإعادة القوات التركية إلى الخليج بعد 100 عام من مغادرتها، كبداية لبسط نفوذه في المنطقة الحيوية، ووجد ضالته في حليفه "الإخواني" تميم بن حمد، منها يوفر الحماية لقطر من السعودية والإمارات وغيرهما، وفي الوقت نفسه يضمن إمدادات الغاز الطبيعي الذي منعته عنه روسيا، وتحولت الاتفاقية الأمنية بين تركيا وقطر بعد مقاطعة "الرباعي العربي" للدوحة منذ 6 أشهر إلى قاعدة عسكرية كاملة، وهكذا سيطر أردوغان على قطر، وضمن وجوده في الخليج بذريعة حماية الدوحة!!

لم ينس أردوغان الخسائر التي تكبدها تنظيم الإخوان الإرهابي، خصوصًا في مصر، وفشل مشروعه في اقتسام ليبيا مع الدوحة، لذا سعى إلى ترميم أركان التنظيم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأجرى تعديلا على مناطق النفوذ، فبدأ السيطرة من قطر، والأمر نفسه في غزة مع "حماس" التي يدين قادتها بالولاء والطاعة لتركيا وقطر، وجاء الدور على أفريقيا فاختار حليفه "الإخواني" عمر البشير، وزار السودان كأول رئيس تركي يدخلها منذ الاستقلال.

اللافت في الزيارة كانت مظاهر المبالغة في الحفاوة بالرئيس التركي، حتى أن البشير قال في المؤتمر المشترك إن بلاده إذ تنظر "إلى تركيا باعتبارها آخر معاقل الخلافة الإسلامية، وما تمثله من رمزية تاريخية لتوحيد الأمة، فإنه يرى فيها دولة حديثة، حققت نموذجًا باهرًا في التنمية والنهضة الاقتصادية والعمران الاجتماعي والثقافي والحضاري تحت قيادتكم الحكيمة".

طلب أردوغان من البشير أن يخصص جزيرة "سواكن" الاستراتيجية على البحر الأحمر لتركيا كى تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية غير محددة فوافق، وتكمن أهمية "سواكن" في أنها الميناء السوداني الثاني بعد "بورسودان" وكانت منطقة نفوذ تركية في الماضي، وهي تقابل سواحل اليمن ويمكن العبور منها إلى السعودية.. الغريب أن أردوغان قال بعد توقيع الاتفاق إن "هناك ملحقا بشأنها لن أتحدث عنه الآن"!!

جزيرة "سواكن" السودانية بموقعها الاستراتيجي يبسط من خلالها أردوغان نفوذه في أفريقيا ويهدد جيران السودان خصوصا مصر.. إذن زيارة أردوغان للسودان ظاهرها اقتصادي استثماري لتحقيق مصلحة شعبين، وباطنها وحقيقتها سياسي خبيث لبسط نفوذ "الإخوان"، والبحث عن مناطق سيطرة في صراع الشرق الأوسط، وبين هذا وذاك التأثير فى قضايا مصر الملحة مع جيرانها وتقليص نفوذها في أفريقيا.. فهل تتحرك حكومتنا قبل فوات الأوان؟!
الجريدة الرسمية