رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

غوغائية المؤذنين.. من «الشعراوي» لـ«شيرين»!


قامت الدنيا ولم تقعد لأن الممثلة "شيرين رضا" تجرأت ووصفت من يقومون بالأذان للصلاة بأنهم «يجعرون»، وذلك خلال ظهورها في برنامح "أنا وأنا"، حيث قالت إن "صوت بعض المؤذنين مزعج ويشبه "الجعير"، وأن بعض المؤذنين صوتهم "يكفّر البني آدم"، وأكدت شيرين خلال اللقاء أن "الإزعاج الحاصل من أصوات المؤذنين المزعجة لا يمثّل الإسلام"، كما أشارت شيرين إلى وجود ميكروفونات مرتفعة جدًا ببعض الشوارع الضيقة يدخل الصوت منها للنوافذ المغلقة، لتصبح الممثلة عرضة للشتائم، وإطلاق هاشتاج بعنوان "شيرين رضا تصف الآذان بالجعير"، بينما تتبارى التصريحات والبرامج التي تطالب برجمها، ووصل الأمر إلى تصريح هبة شاهين، عضو الهيئة الوطنية للإعلام، أن الهيئة تدرس الموقف، إزاء هذه التصريحات.


والحقيقة أن شيرين لم تخطئ بتصريحها السابق وإن خانها الأسلوب والطريقة، بل المدهش أن كلامها هو ذاته كلام إمام الدعاة الشيخ الشعراوي منذ أكثر من ربع قرن، حيث قال في مقابلة تليفزيونية متاحة على اليوتيوب ومعادة على قناة "ماسبيرو زمان" أن طريقة الأذان بالصوت العالي عبر الميكروفونات، باطلة وغوغائية وتدين ليست لله في شيء"، مضيفًا أن "الميكروفونات أكبر نقمة أصيبت بها الأمة الحديثة وتصيب المواطنين بالصمم".

وكلمة غوغائية التي قالها الشيخ الجليل ليست بعيدة عن كلمة جعير التي استخدمتها شيرين رضا، فهي مرادف للعشوائية والفوضي ينجم عنها ظهور كل من هب ودب ليفرض عليك ذوقه وأسلوبه الفج، وكل ما قالته بعد ذلك من وصف للشوارع الضيقة والميكروفونات المرتفعة مفسر تمامًا لكلمات الشيخ الشعراوي، الذي أشار إلى أن ذلك ليس تدينًا وليست لله في شيء، وأن الميكروفونات هي أكبر نقمة أصابت مجتمعنا، ولابد بالتالي أن تصيب المواطنين بالصمم طالما تدخل النوافذ في الشوارع الضيقة بهذه الطريقة.

وبالتأكيد فإننا لسنا في حاجة للتذكير بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختار "بلال" ليؤذن بفضل صوته الجميل، فاختيار النبي صلى الله عليه وسلم "بلال" مؤذنًا له لعلو صوته ونداوته، ومعروف قصة ابن قدامة في المغني، حين قال: وإذا تشاح نفسان في الأذان قدم أحدهما في الخصال المعتبرة في التأذين، فيقدم من كان أعلى صوتا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد: { ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك}.

إذن فمن المتفق عليه أن الصوت الندي الجميل هو الأساس في الأذان، خاصة أن الصوت الجيد هو بالفعل أفضل دعاية للدين عكس الصوت القبيح فهو ينفر، والقاعدة تقول إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمنطق يقول إن الأصوات العشوائية القبيحة تؤدي للإزعاج وتؤدي لمثل هذه الفتن وتدفع إلى التجرؤ على الدين كله بحجة أن الأذان في حد ذاته مزعج بما يمكن أن يؤدي في مرحلة تالية لمطالبة البعض بمنعه تمامًا، فأي مفسدة أخطر من ذلك.

وأذكر أن فكرة توحيد الأذان قد ظهرت عام 2010، بل طبقت بالفعل رغم معارضة البعض، حيث صدرت فتوى من دار الإفتاء، تؤكد شرعية توحيد الأذان، وكان يرفع من إذاعة القاهرة الكبرى بصوت مؤذن من الوزارة، وكان هناك جهاز في كل مسجد يستقبل الأذان من الإذاعة لمكبر الصوت بالمسجد، وكان مؤذن الوزارة يوجد في إذاعة القاهرة الكبرى، للفتوى بعدم جواز التسجيل للأذان، بينما كان يتم تخصيص مؤذن أساسي وآخر بديل له في حال غيابه، ثم توقفت الفكرة بعد فترة قصيرة وعادت لتطبق مرة أخرى في عام 2014 قبل أن تتوقف أيضًا مرة أخرى لتعود العشوائية التي طالت كل شيء في حياتنا، ويذهب كل جاهل ليفرض صوته.

والمشكلة أنه لم يعد يكتفي بذلك وإنما وصل الأمر لإقامة الصلاة جهرًا بالميكروفونات، وهو أمر ممنوع بفتاوى كثيرة بل بقرارات واضحة، وهو نوع أخطر من الفوضى والاستفزاز الحقيقي، ولا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد، رغم أنف المتأسلمين فقد صارت شهوة مكبرات الصوت من أكبر الشهوات التي يعاني منها المصريون ولا تجدها في الصلوات فقط، ولكن لدى الباعة الجائلين في كل مكان بمن فيهم تجار الروبابيكيا.

ومن المؤسف أن ديننا هو الوحيد المستباح بهذا الشكل من الجهلاء على كل الأصعدة ويصل الأمر للصلاة خلف من لا يحسنون القراءة ويخطئون، ثم نترك كل ذلك ونمسك بممثلة لأنها قالت ما قاله ويقوله العلماء كل يوم، لكن يبدو أن قرارات وزارة الأوقاف حبر على ورق أو أنها لا تملك آلية التنفيذ لمنع هذه التجاوزات وهم الأجدر بالمحاسبة والانفعال، فحالة السلام والأمن النفسي والراحة التي تحدث عنها رسولنا الكريم بهذا الإعلان عن الصلاة، حين كان يقول أرحنا بها يا بلال، لا يمكن أن تتحقق بهذه الأصوات الهمجية الشاذة التي لا تفهم مغزى الرسالة في بث الطمأنينة والونس بالله وبالعبادة، فإذا كان من يغني في الإذاعة يحتاج لاختبارات وتصريح حتى يطل على المستمعين، فإن الأولى بذلك هم المؤذنون الذين ينتشرون في المساجد ويشنفون آذاننا بكلمات الله العلي العظيم ودعوتنا لأقدس عبادة على وجه الأرض وهي الصلوات.

أما خطأ شيرين الوحيد في رأيي فهو ربطها ذلك بالسياحة وهو كلام أقرب للنكتة وليس الغضب، فما علاقة السياحة والسياح بالأذان، ولو عرفت شيرين أن معظم السياح يفضلون ساحة الحرم الحسيني بسهراته الصباحية وسط اختلاط أصوات الأذان بأصوات عزف العود، وطنين النرجيلات المتداخلة مع أصوات أكواب الشاي لطالبت بإذاعة الأذان طول الوقت، ولكنه على أي حال ليس موضوع هذا المقال.
Advertisements
الجريدة الرسمية