رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

جيراننا.. ونصف الكوب الفارغ


لغة التشاؤم والاستهانة غالبا ما تسود أحاديث الإعلام والصحافة في العلاقات مع الجيران، لا سيما الجنوبيين.. إعلاميون وصحفيون مصريون يستهويهم النظر إلى نصف الكوب الفارغ.. يشجعون العزف على نغمة التعالي، والخيلاء، و"الفرعنة المصرية"، اعتادوا النظر إلى أهل الجنوب باعتبارهم "تراثًا وعبيدًا لإحساناتنا"، ولم تخلقهم أمهاتهم أحرارًا!!


للأسف، من يشكلون القوة الناعمة المصرية، ومن يفترض أنهم أصحاب الدبلوماسيات الهادئة وغير التقليدية، يمارسون الخشونة في لغة الخطاب الموجه نحو شركائنا في الحدود.. ويتورطون في تأجيج الصراعات، بل واستحداثها من العدم، هل تذكرون مباراة الكرة التي دارت رحاها في "أم درمان" بين منتخبي مصر والجزائر؟ لقد كادت أن تؤدي إلى قطع علاقاتنا مع كلتا البلدين، وظلت الأمور متأزمة مع الجزائر لسنوات.

السادات والقذافي اختلفا سياسيًّا، لكن إعلاميينا وصحفيينا، حتى رسامي الكاريكاتير، دخلوا على الخط، وخاضوا معركة شرسة، أنهاها الرئيس الأسبق مبارك عقب توليه الحكم.. صوروا الرجل بأبشع الصور والرسوم.. وبالتأكيد هذا أثَّر على نظرة شعبه، على الأقل مؤيديه، لنا.

أزمة "سد النهضة"، التي أقامت الدنيا وأقعدتها في مصر، وما حولها، هي نتاج للممارسات اللامسئولة لبعض الإعلاميين، بل لكثير من إعلاميينا.. ومحصلة للنظرة المتعالية لمن نسميهم "الأحباش".. إنهم، في الجنوب، يتابعون بدقة كل ما ينشر لديْنا، وما تبثُّهُ الفضائيات، ويعتقدون أن هذا معبرٌ عن أفكارِ الشعب ومعتقداته.. المصريون أيضا الصورة لديهم مشوَّهة؛ بسبب ما يقرأون وما يسمعون وما يشاهدون في صحف وإعلام بلدهم.

معظمنا لا يعلم أن هناك من ملوك مصر في عصور ما قبل التاريخ أُسَرٌ كاملةٌ من الجنوب حكمت مصر.. ولا يذكرون أن السودانيين حملوا السيارة التي كان يستقلها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من فوق الأرضِ، احتفاءً به، يوم طالب كثيرون برحيله، إثر هزيمة 67.

قامت القيامةُ في مصر لتصويت عددٍ من الدول الأفريقية ضد مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، وامتناع عددٍ آخر عن التصويت، وانبرى أصحابُ الأقلام والأصوات غير المسئولة في الفضائيات لممارسة الهواية البغيضة في التجريس، و"فرش الملاية" لتلك الدول، ولم يكلف أحدهم نفسه عبء البحث والتحليل في الأسباب التي أدت لخروج تلك الدول من عباءة الأصدقاء، ولا التدقيق في مواقفها السابقة تجاه القضايا العربية في المنظمات الدولية، خاصة القضية الفلسطينية.

التطور الرائع، والخطوة الممتازة التي اتخذها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي لإسرائيل من سفارة إلى مجرد مكتب اتصال.. يبعث على التفاؤل والسرور، ويستحق الإشادة.

قرار حزب المؤتمر جاء انسجامًا مع القيم، والمبادئ التحررية للحزب، ونصرة لشعب فلسطين، وقضيته العادلة.. وقال في نصه: "يُدينُ حزبُ المؤتمر الوطني الأفريقي بالإجماع، وبشكل لا لبسَ فيه، الخطوة الاستفزازية من قبل الولايات المتحدة، ويحثُّ إدارة ترامب على التراجع الفوري عن قرارها".. خطوة لم تجرؤ حكومة عربية على اتخاذها.

وفي تصرف ينم عن تغيير إيجابي في اتجاهات الحكام الأفارقة تجاه دولة الاحتلال، وهو ما يجب على حكومة مصر استغلاله، كما عنَّفَ رئيس بوكينا فاسو أمير قطر، لأنه قدم 13.8 مليون دولار لمستشفى علاج سرطان في بوركينا فاسو، وطالبه بأن يكون دعم قطر للمؤسسات والمنظمات غير الحكومية من خلال الحكومة البوركينية.

المشهدُ في أفريقيا، جنوب الصحراء، ليس كلُّه أسود، بل هناك بقعٌ بيضاء على الساحة تستحق تسليط الضوء عليها، وامتداحِ أبطالها؛ حتى لا تتفاقمَ المشكلات بلا داعي.

وعلينا استغلال القوة الناعمة في تكريس نقاط التوافق، وتجسير الحدود، ولم الشمل، والتركيز على مشاعر الصداقة والتضامن والمحبة بين الشعوب، لا إبراز الخلافات، وتسجيل الأخطاء، والنظر باستخفاف واستعلاء لغيرنا.. مطلوبٌ من الحكومة تثقيف الفنانين ونجوم الكرة، والإعلاميين والصحفيين بالأساليب السليمة للتعامل مع الأفارقة، ومخاطبة الشعوب السمراء.

Advertisements
الجريدة الرسمية