رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة العقل العربى (1)


للأسف، العرب لا يقرأون التاريخ.. وحتى إذا قراوه، لا توجد لديهم القدرة على استخلاص الدروس التي تدلهم على استشراف المستقبل، أو تعينهم على عدم الوقوع في نفس الأخطاء التي وقعوا فيها من قبل.. وهذا في حد ذاته يمثل كارثة.. إن نعم الله تعالى على عباده كثيرة، وهى أجل من أن تحصى، لكن أعظم هذه النعم هي نعمة العقل، الذي يعتبر مناط التكليف.. وأن يعقل الإنسان هو أن يدرك الأشياء على حقيقتها، ويقال: عقل الغلام أي أدرك وميز.. ويقال أيضا: ما فعلت هذا مذ عقلت.. وليس العاقل هو من يدرك فقط، لكن من يستخدم عقله في الخير والبناء والتعمير والتقدم، أما من يستخدمه في الشر، تخطيطا أو تدبيرا أو تدميرا، فليس بعاقل..


البعض منا يغذى عقله بالعلم والمعرفة الصحيحة، ومن ثم يظل يقظا منتبها، بينما البعض الآخر لا تشغله هذه المسألة فيترك عقله مهملا خاملا غافلا.. وكما أن البعض قد يفقد عقله قهرا أو جبرا، هناك من يفقده طواعية أو اختيارا، وذلك بأن يدع الآخرين يسلبونه إياه.. وكما أن هناك عقلا مرتبا، هناك أيضا عقلا فوضويا..الأول لديه القدرة على التمييز بين الكل والجزء، أو بين الأصول والفروع، أو يمكنه ترتيب الأولويات، أما الثانى فتختلط عنده الأمور، فيهمل أصولا أو يقدم فروعا على أصول، أو ليست لديه قدرة على ترتيب الأولويات، وهكذا..

والمتأمل في العقل العربى اليوم يجده في حاجة إلى فك وتركيب، أو إلى إعادة تشكيل وصياغة جديدة، حتى يستطيع أن يتخلص من الأغلال والقيود التي تكبله وتعوقه عن التفكير المبدع والخلاق..ولعل الفترة التي يعيش فيها العرب اليوم تكشف عن غيبوبة رهيبة وعيوب مأساوية وتشوهات كارثية في العقل، وهى ليست مقصورة على فئة أو طائفة دون فئة أو طائفة أخرى، وإنما هي ملاحظة ومرصودة تقريبا على المستوى العربى العام.. على سبيل المثال، هناك جهل -أو تجاهل- لقانون السببية، وعدم اعتبار- أو استيعاب- للقانونية التاريخية، علاوة على الغفلة -أو التغافل- عن السنن الربانية.. ناهينا عن القصور المعرفى، وغياب الرؤية، وانعدام النظرة النقدية..

إن المتأمل لكتاب الله سبحانه يجد الكثير من الآيات التي أعطت العقل الإنسانى رؤية تركيبية للكون والحياة والإنسان والوجود.. هذه الآيات تربط بشكل واضح بين الأسباب والمسببات.. وإذا كان الله تعالى لا يحكم نفسه بالأسباب التي خلقها والسنن التي وضعها، فإنه شرعها لعباده ليعملوا بها ويحاكموا على ضوئها.. والحقيقة أن القضية تتعلق بأصل التكليف، ولو أن العبد عدل عن العمل بهذه السنن إلى غيرها مما صنعه البشر، لكان محل مساءلة.. هناك من يفشل في دراسته، أو تجارته، أو في تنافسه -السياسي أو الاقتصادى أو الاجتماعى- مع الآخرين، وهناك من تهيأت لهم الظروف كى يصلوا إلى سدة الحكم (كالإخوان)، لكنهم بدلا من أن يأخذوا بأسباب النهوض والتقدم والرقى، إذا بهم يسيئون التخطيط والإدارة، ولا يقومون بمهامهم على وجهها الصحيح، وعلى الرغم من الفرص الكثيرة التي أتيحت لهم لتصويب الأخطاء، فإنهم أصموا آذانهم وأعموا أبصارهم، وكانت النتيجة هي السقوط المروع.

الجريدة الرسمية