رئيس التحرير
عصام كامل

العالم النووي يسري أبو شادي: البرادعي يسعى للتحريض ضد مصر بعد مفاعل الضبعة

فيتو

  • المفاعل المصري لا تتجاوز نسبة خطورته "واحد في المليون" بعد 80 سنة
  • لهذه الأسباب استبعدنا أمريكا والصين وفرنسا وكوريا الجنوبية.. واخترنا روسيا
  • المفاعل الواحد يمكن أن يسدد تكاليفه خلال 5 سنوات
  • أوصيت السيسي بالتعاقد مع "روزاتوم" واختيار مفاعل "WWER-1200" واستيراد الوقود المخصب من روسيا وإعادة "المشع" إليها



الدكتور مهندس يسري أبو شادي، كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقًا، العالم الخبير النووي. حاصل على الدكتوراه في الهندسة النووية وتصميم المفاعلات الذرية من جامعتي الإسكندرية وفرنسا، كان الأول في البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 1971.

له عشرات الأبحاث والمنشورات العلمية والمراجع والكتب والمقالات، وضع العديد من البرامج الحسابية المتقدمة، والمستخدمة في العديد من مراكز البحوث والشركات العالمية في مجال تصميم وإنشاء المفاعلات الذرية.. وتولى مسئولية التفتيش على أكثر من 500 مفاعل نووي حول العالم فيما يزيد على 50 دولة، حصل على العديد من الجوائز منها جائزة الوكالة الدولية للامتياز في العمل 2003، وجائزة جامعة الإسكندرية التشجيعية 1981، فضلا عن الكثير من التقديرات والجوائز من مختلف المراكز والهيئات والدول.

يُلقَّب بـ"صاحب الصندوق الأسود" في الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مدار 25 سنة، منذ أن انضمّ إلى فريق العمل بها لأول مرة عام 1984 إلى أن غادرها عام 2009.. وخاض حربًا شرسة لكشف ألاعيب ومؤامرات الدكتور محمد البرادعي ضد مصر، وبعض الدول العربية لتحريض الغرب وأمريكا، بزعم امتلاكها لأسلحة محرمة دوليًّا.

أبو شادي طالب كثيرًا بإنشاء مفاعل نووي للأغراض السلمية في مصر.. وأخيرًا استجابت الدولة لمطالبه، وتحقق حلمه.

في هذا الحوار، الذي أجريناه قبيل ساعات من سفره إلى مقر عمله في "فيينا"، يكشف عن بعض أسرار الرحلة النووية لمصر، وأسباب اختيار روسيا بالتحديد، ويبدد المخاوف التي تحيط باستخدام الطاقة النووية، كما يقدم، لأول مرة، شرحًا للخريطة النووية في العالم، قبل وبعد مفاعل الضبعة.



• هناك مخاوف من تكرار كارثة "تشيرنوبل" في مفاعل الضبعة.. ما رأيك؟
= مفاعل "تشيرنوبل" قديم، وحاليا ممنوع تصنيعه منذ فترة لخطورة هذا النوع.. أما مفاعل مصر الروسي فهو أحدث أنواع المفاعلات من الجيل الثالث المتطور، ولا يمكن أن تحدث فيه حادثة مثل التي حدثت في "تشيرنوبل" أو "فوكوشيما".. فمفاعل الضبعة هو الأكثر أمانا.. وطبقا للحسابات؛ لو أن عندنا مليون مفاعل مثل هذا يعمل من 60 إلى 80 سنة فلن تحدث مشكلة سوى في مفاعل واحد من المليون.


• هل تمتلك مصر الكوادر البشرية لتشغيل المفاعل بشكل آمن؟
= مصر منذ الخمسينيات تُجهز كوادر في المجال النووي، بدءًا من مركز البحوث النووية في "أنشاص"، أو قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية، أو الطاقة الذرية المصرية، أو هيئة المحطات النووية، وغيرها.. وهناك كوادر شابة تتدرب حاليا مع دول مختلفة، خاصة روسيا، سيتم تأهيلها لتشغيل المفاعل بشكل آمن.

• لماذا وقع اختيار مصر على التكنولوجيا الروسية بالذات؟
= هناك 5 شركات تتنافس حاليا على بناء المفاعلات النووية في العالم، هي: روسيا.. كوريا الجنوبية.. الولايات المتحدة.. فرنسا.. الصين.. ولأسباب عديدة، أغلبها يرجع لعدم استكمال الخبرة، مثل "الصين"، أو مشكلات فنية في بناء المفاعلات، "فرنسا"، أو لأسباب سياسية "الولايات المتحدة".. ينحصر التنافس الحقيقي بين روسيا وكوريا الجنوبية، التي تبني 4 مفاعلات في الإمارات، ووقع الاختيار على روسيا، لأنها تصنع 100% من أجزاء المفاعل.. ولا تحتاج، مثل كوريا الجنوبية، إلى تراخيص من شركات أمريكية، وترخيص من أمريكا، بالإضافة للاقتصاديات والتسهيلات الضخمة المقدمة من روسيا لمصر.

• المفاعل جغرافيًّا قريب من مجال عمل "داعش" التي تسعى للتوطن في ليبيا، ما تعليقك؟
= المفاعل الروسي في الضبعة على بعد نحو 155 كيلو متر من الإسكندرية، ومئات الكيلو مترات من الحدود المصرية الليبية؛ فهو ليس قريبًا بهذه الدرجة من ليبيا.. والمفاعل الروسي مصمم خاصة في غلافه الخارجي ليتحمل مقذوفات كبيرة، تصل إلى 400 طن بسرعة 150 مترا في الثانية، وكذلك أي تفجير إرهابي خارجي، حتى لو وصل الإرهاب إلى الداخل في مصر، لا قدر الله، فأقصى ضرر هو إيقاف المفاعل عن العمل دون تأثيرات خارجية.

• يزعم البعض أن هناك مصادر أخرى للطاقة أكثر أمانا وإنتاجا.. لماذا لجأت مصر للخيار النووي؟
= مقولة غير سليمة، خصوصا لجيل المفاعلات المتطورة؛ فهي الأكثر أمانا، والأقل تكلفة، والأرخص وقودا، والأقل تلويثا للبيئة، وهذا ما دعا مصر لاختياره.

• ما الفرق بين استخدام الطاقة النووية في السلم، واستخدامها للحرب؟
= هناك فارق جسيم؛ لأن الاستخدام غير السلمي شاهدناه عام 1945، عندما كان أول استخدام لهذه الطاقة الجديدة هو قنبلتي "هيروشيما"، و"نجازاكي" في اليابان، وأسفرتا عن مقتل أكثر من 300 ألف شخص.. أما الآن فالطاقة النووية في السلم تستخدم في إنتاج الكهرباء، وتحلية المياه، والطب، والزراعة، والصناعة، وغيرها.

• قلت في حديث سابق إن مصر غيرت الخريطة النووية في العالم.. اشرح لنا.
= اعتبارًا من 11 ديسمبر 2017، تاريخ توقيع العقود التنفيذية لمفاعلات الضبعة، والبدء في تجهيز الموقع للبناء، والإنشاء، اعتبرت مصر من الدول التي تبنى فيها مفاعلات نووية، وهو ما غير لونها من الأخضر (دول متطلعة بقوة للطاقة النووية) إلى الأحمر الفاتح (دول تبني مفاعلات نووية)، وبعد تشغيل المفاعلات ستتحول إلى اللون الأحمر القاني.

• هل هناك خطورة سياسية على مصر في أي وقت أو تحت أي ظروف؟
= السياسة هي ما منع مصر من بناء المفاعلات في الستينيات؛ بسبب قلق أمريكا وإسرائيل من استخدام مصر للمفاعلات في الأغراض غير السلمية، حتى صدقت مصر على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في 1981، والاتجاه للتعاون مع الشرق خاصة روسيا.

• هل تتوقع أن يسعى البرادعي لتشويه صورة المفاعل السلمي في الضبعة للإضرار بمصر؟
= بالفعل، هو تورط في ذلك، وسجل في كتابه عام 2010 إيحاءات أن مصر تريد بناء مفاعلات نووية لا لغرض توليد الكهرباء، بل لأغراض عسكرية، وربما من يدفعونه لهذه التصرفات، في الغرب، يحاولون قريبًا دفعه لمحاولة الوقيعة بين مصر وروسيا بشأن هذا المشروع.. ولننتظر.. وسوف نرى.

• هل استفادت الحكومة المصرية من خبرتك وعلمك في مشروع مفاعل الضبعة؟
= ربما بشكل غير مباشر، فقد كان لقائي منذ 3 سنوات ونصف مع المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء آنذاك، حيث سلمته رسالة مهمة للرئيس السيسي، بشأن خطوات مصر التي أوصيتُ باتخاذها في المجال النووي، خاصة في التعاقد المباشر مع شركة "روزاتوم" الروسية، واختيار أحدث أنواع مفاعلاتها، وأكثرها أمانًا "WWER-1200"، وضمان استيراد الوقود المخصب من روسيا على مدى عمر المفاعلات، وكذلك إعادة الوقود المستهلك المشع لروسيا، بالإضافة للتدريب والمشاركة في الصناعة، وقد تحقق معظم هذه المقترحات باستثناء واحد تم تأجيله لوقت لاحق.

• ماذا عن الجدوى الاقتصادية للمشروع؟
= مصر حصلت من روسيا على قرض حده الأقصى 25 مليار دولار.. هذا القرض يمثل نسبة الـ85% مشاركة شركة "روزاتوم" لإنشاء المفاعلات الأربعة، ولا يبدأ القرض إلا بعد تصنيع أي جزء من المفاعل في روسيا، ونقله لمصر ثم تركيبه واختباره ثم استلامه من الجانب المصري.. وهنا يبدأ سريان هذا الجزء من القرض بأرباح 3% فقط. وعند بدء المفاعل في التشغيل وإنتاج الكهرباء سيبدأ دخله السنوي من الكيلووات- ساعة بنحو مليار ونصف المليار دولار، أي إن المفاعل الواحد يمكن أن يسدد قرضه في حدود 5 سنوات. ورغم هذا فإن مصر تعاقدت على سداد هذا القرض في مدة تصل إلى 35 عاما منذ بدء وصول أول أجزاء المفاعل، وبحسبة عامة ينتظر أن يكون الدخل من المفاعلات الأربعة على مدى العمر التشغيلي لها من (60 إلى 80 عاما)، نحو 350 مليار دولار، في حين أن التكلفة الكلية، وثمن الوقود النووي والتشغيل والتكهين أقل من 100 مليار دولار.

الجريدة الرسمية