رئيس التحرير
عصام كامل

حدادٌ على لُغة الضَّاد


يوافقُ الثامنَ عشرَ منْ شهرِ ديسمبرَ من كلِّ عامٍ، اليومَ العالمىَّ للغَّةِ العربيَّةِ، وكانتْ الجمعيَّةُ العامَّةُ للأممِ المتحدةِ، أصدرتْ قبلَ أربعةٍ وأربعينَ عامًا، قرارَها رقم 3190 الذي تمَّ بمقتضاهُ إدخالُ اللغةِ العربيةِ ضمنَ اللُغاتِ الرسمية ولُغات العملِ في المُنظمةِ الدوليَّةِ. وسبقَ هذا القرارَ وتلاهُ قراراتٌ أُمميَّةٌ عدةٌ للتمكينِ للُّغةِ التي ينطقُ بها نحو خمسمائةِ مليونِ عربىٍّ. وبعيدًا عنْ تلكَ القراراتِ.. فإنَّ اللغّةَ العربيَّةَ واحدةٌ منْ أقدمِ اللغاتِ الساميَّةِ، وهىَ لُغةُ القرآنِ الكريمِ، كما أنها لُغَّةٌ شعائريةٌ لدى عددٍ منْ الكنائسِ المسيحيةِ في الوطنِ العربيِّ.


وتتميزُ لُغةُ الضادِّ بقدرتِها على التعريبِ واحتواءِ الألفاظِ منْ اللغاتِ الأخرى بشروطٍ دقيقةٍ مُعينةٍ، وتحظى بسماتٍ تستعصى على الحصرِ، يعلمُها العالمونَ بدروبها، العاجزونَ عن تصويبِ مسارِها. وبينَ الاحتفاءِ الأُممىِّ منْ ناحيةٍ، وبينَ المكانةِ التاريخيَّةِ الرفيعةِ لها منْ ناحيةٍ ثانيَّةٍ.. فإنَّ واقعَ اللُغَةِ العربيَّةِ مريرٌ لا مراءَ في ذلكَ، وصارَ حالُها بينَ أبنائِها حالكًا، وغدتْ نَسيًْا منسيًّا، بلْ إنَّ مِنْ بينِهم مَنْ يتخذُها سِخريًا، ويظهرُ ذلكَ بوضوحٍ في الأعمالِ الفنيَّةِ المختلفةِ التي تهزأُ بمَنْ يُحرِّصُ على النطقِ الصحيحِ لها، بلْ إن هناكَ كتاباتٍ غزيرةً في الصحفِ السيَّارةِ تُحرِّضُ على كسرِ كرامةِ اللغةِ العربيَّةِ وتغريبِها داخلَ أوطانِها، واستبدالِها بـ "عاميِّةٍ كريهةٍ ومُبتذلةٍ"، ولمْ تعدْ صحيفةٌ مصريَّةٌ أوْ عربيَّةٌ تخلو منْ "خطايا لُغويةٍ صارخةٍ" في عناوينِ صفحاتِها الأولى، وفى مُتُونِ موضوعاتِها، كمَّا أنَّ صُحفًا رصينةً وعريقةً مصريَّةً وعربيَّةً لا تخجلُ منْ أن تعترىَ كلماتِها الافتتاحيةَ ومقالاتِ رؤساءِ تحريرِها "أخطاءُ كارثيّةٌ".

الجريمةُ ذاتُها حاضرةٌ بأدقِّ تفاصيلِها في المسلسلاتِ والأغانى الدينيَّةِ في مصرَ، التي تحتضنُ مجمعَ الخالدينَ، ما يعكسُ إهمالًا صارخًا، كانَ غائبًا عن هذهِ النوعيَّةِ من الأعمالِ التي كانتْ يومًا عُنوانًا للعنايةِ بوقارِ اللُغةِ العربيَّة واحترامِها. ولمْ يعدْ منْ مقوماتِ قارئِ نشرةِ الأخبارِ، أوْ المذيعِ، الإلمامُ بأبسطِ قواعدِ اللُّغةِ العربيَّةِ، بعدَ ما كانَ إتقانُها، نُطقًا وكتابةً، شرطًا أساسيًَّا للقبولِ بالعملِ الإذاعىِّ والتليفزيونىِّ، وأصبحَ خُطباءُ المساجدِ ووعاظُها أكثرَ الناسِ هتكًا للغةِ القرآنِ الكريمِ. والأدهى والأمرُّ منْ ذلكَ كلِّه.. أنَّكَ لا تجدُ مسئولًا عربيًَّا، كبيرًا أوْ صغيرًا، يمكنه قراءةُ خطابٍ تمَّ إعدادُه سَلَفًا، بشكلٍ سليمٍ، ما يعنى أنَّ اللغةَ العربيَّةَ صارتْ أقربَ إلى الموتِ منْ الحياةِ، ولوْ نطقتْ في يومِها العالمىِّ، لأنشدتْ قولَ شاعرِ النيلِ "حافظ إبراهيم":
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي!!
الجريدة الرسمية