رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

خفوت الدور الأردني في منطقة الشرق الأوسط


يبدو أن مملكة الأردن تمر بأيام سيئة في هذه الفترة أو بالأحرى مع صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة وعلى الرغم من التصريحات الأمريكية الوردية عن الأردن، فإن تبلور استراتيجية الدور الترامبي في المنطقة لا يصب في صالح الأردن على الإطلاق، على عدة محاور منها: إعادة هندسة المنطقة عبر إحياء محور الاعتدال، أو دفع عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية والتي ستحدث في الأغلب بعيدًا عن الأردن، الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس أصبحت مهددة بسبب قرار 7 ديسمبر الذي اعتبر القدس عاصمة أبدية للشعب الإسرائيلي، وهذا يمثل خطورة على دور الأردن في هذا الملف.


أولا: الاختيار الصعب
وقفت الأردن عاجزة أو وقعت في حيرة كبيرة بين الاختيار بين قطر والثلاثي الخليجي المتمثل في ( البحرين والسعودية والإمارات )، فضلا أن الرباعي الخليجي أعطى ظهره للأردن الذي يعاني من أزمة اقتصادية كبرى وتراكم الديون" ارتفع صافي الدين العام المستحق على الأردن في نهاية أكتوبر بنسبة 6.8% إلى 25.709 مليار دينار (36.2 مليار دولار) مقارنة مع 24.07 مليار دينار في نهاية 2016.

عليه بالإضافة إلى عبء اللاجئين السوريين، ونجد الأردن تضامن مع الثلاثي الخليجي بتخفيض التمثيل الدبلوماسي في قطر تضامنًا مع الرباعي العربي المقاطع لقطر، ولكن البلاط الملكي تجنب الحديث عن الأزمة الخليجية، بالإضافة إلى أن الأردن لم يرسل رسائل نحو الأزمة الخليجية، فوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لم يزر أي دولة خليجية منذ المقاطعة التي حدثت في يونيو الماضي، وكان الأردن ينأى بنفسه عن أزمة مقاطعة قطر.

إن عملية إعادة هيكلة المنطقة بعد 7 سنوات من الفوران السياسي وجذبها نحو بؤرة الاستقرار والحد من التوتر عملية شاقة للغاية ويتطلب ظهور تحالفات ومحاور جديدة ليس بالضرورة أن يكون الأردن في طليعتها، فهناك دول أخرى في المنطقة تسحب البساط من الدور التاريخي لعمان، وهو ما يؤدي إلى انكفاء أو انزواء الدور الأردني هذا البلد الذي صمد في وجه الربيع العربي وظهور التكفريين "داعش" في سوريا والعراق ووصف أنه حديقة وسط حريقة وتصدٍ بشكل قوي لموجة صعود تيارات الإسلام السياسي واستفحال الدور الإيراني أيضًا في المنطقة، فاستراتيجية ترامب في السياسة الخارجية قد تضمن بقاء المنح والهبات التي اعتاد عليها في عهد أوباما وما قبل أوباما والمقدرة بمليار و300 مليون دولار ولكن لا تضمن تأثيره في الإقليم سواء سوريا التي سلمت لروسيا بالكامل وبماركة أمريكية وهناك محاولات ظهور لدور مصري ينافس الظل الإيراني الذي ينتشر فوق سماء سوريا.

ومن الممكن القول إن الأردن أقرب لمحور السعودية ومصر والخليج خاصة بعد إعلان محمد بن سلمان ولي العهد السعودي عن مشروع نيوم الاقتصادي الذي يضم مصر والأردن والسعودية والدولة العبرية.

ثانيا: استبدال الدور الأردني
من المحتمل أن يخفت الدور الأردني في ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المقبلة مقابل بروز دور سعودي قوي ومنافس، تجلى ذلك من تصريحات رأس الدبلوماسية السعودية عن جهوزية المملكة لإقامة علاقات تطبيعية مع الدولة العبرية إذا نجحت إدارة ترامب في دفع أطراف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى التفاوض، ومن هنا سيكون للمملكة العربية السعودية دور مؤثر في حل القضية الرئيسية في المنطقة والرياض بما لها من ثقل ديني وعربي في العالمين العربي والإسلامي، حيث كان الأردن يرتبط بعلاقات شاملة مع الدولة العبرية منذ اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية "وادي عربة" التي وقعت في عام 1994 وهي اتفاقية مؤسسة للدور الأردني والمحوري في منطقة الشرق الأوسط كالراعي الإقليمي والمحفز لبناء سلام شامل وعادل في المنطقة، فالملك الحسين أو الملك عبد الله الثاني من الزعماء المخضرمين في مسألة دروب الملف الفلسطيني.

ولكن لابد من الإشارة إلى أن السعودية دخلت اتفاقية "كامب ديفيد" التي وقعت عام 1978 بأثر رجعي عندما أقر البرلمان الماضي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي أسفرت عن نقل تبعية الجزيرتين إلى الرياض، مما نتج عنه قيام حدود بحرية بين إسرائيل والسعودية تفرض التزامات على الجانبين، كل هذا يدل على أن المملكة تخطط للعب دور أكبر في القضية الفلسطينية يفضي إلى تسويتها.

إسرائيل التي تسولت كثيرًا التطبيع مع دول الخليج عبر مصر مبارك ولكن قوبل برفض كبير وقتئذٍ ولكن تغير القيادة في مصر والمملكة وتفاقم أزمات المنطقة شرع في التحول الجاري حاليًا لفتح قنوات اتصال سعودية إسرائيلية أملا في حل القضية الفلسطينية، خاصة أن الرئيس السيسي دعا إلى توسيع دائرة السلام في المنطقة مع دول أخرى واستنساخ تجربة السلام المصرية الإسرائيلية والدور الترامبي في المنطقة يستند إلى الرياض والقاهرة أكثر من الأردن مما يجعل الكفة لا تميل إليها.

ثالثا: التهويد الرسمي للقدس
تعتبر سياسات ترامب الخارجية هي سياسات عدوانية وجريئة بشكل كبير وهي تنبع من عقدة أوباما أو بالأحرى يرغب أن يسير بممحاة على دبلوماسية أوباما التي صنعها على مدى 8 سنوات ماضية.

تجلى ذلك في رغبة ترامب معاقبة إيران من خلال تمزيق الاتفاق النووي وتقليص نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، توجيه ضربة عسكرية ضد مطار الشعيرات في سوريا، انتهاج أسلوب مغلظ في مواجهة عنجهية كوريا الشمالية، والتوعد لكل من فنزويلا وكوبا من على منصة الأمم المتحدة، توج كل هذه الممارسات السلبية العدوانية بإعلان في السابع من ديسمبر الماضي، اعتبار مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي عاصمة موحدة لإسرائيل (هربًا من استحقاقات داخلية متعلقة بالعمالة لروسيا الاتحادية وقت الانتخابات الرئاسية بين ترامب وهيلاري كلينتون)..

وهو قرار صدر عبر تشريع للكونجرس الأمريكي عام 1995، وكان يؤجل لمدة 6 أشهر من قبل الرؤساء الأمريكيين السابقين، ويعتبر هذا القرار هو شهادة وفاة للدور الأردني في القضية الفلسطينية، خاصة أن المملكة الهاشمية هي صاحبة الوصاية على المقدسات في القدس الشرقية، وأيضًا يجعل تل أبيب تتلاعب من عمان بورقة الوطن البديل وتصفية القضية الفلسطينية ويهدر كل فرص السلام في المنطقة، بالإضافة إلى إحراج القيادة الأردنية أمام شعبها بأنها عجزت في الحفاظ على دورها التاريخي بالوصاية على المقدسات، وهذا القرار يساعد أكثر في إفساد وتأزيم العلاقات الأردنية الإسرائيلية المتأزمة أساسا بسبب قتل حرس السفارة الإسرائيلية مواطنا أردنيا الصيف الماضي ومن قبل قتل قاضيا أردنيا على الحدود بين البلدين قبل ثلاثة أعوام.

لذلك كانت مشاركة الأردن في قمة التعاون الإسلامي كانت قوية بهدف التأكيد أن هناك طمعا إسرائيليا في المقدسات الدينية في القدس. وإسرائيل لم تخف نشوتها بالقرار الأمريكي الذي اعترف بالسيادة الواقعية الجائرة على القدس الشرقية والتي فرضتها بصفة دولة محتلة وفق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، فالأردن لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاستفزاز الإسرائيلي، لذلك لوح البرلمان الأردني بإمكانية مراجعة اتفاقية السلام "وادي عربة" ويعتبر أول الغيث في مواجهة إسرائيل ومساندة القيادة الفلسطينية. 

رابعا: مستقبل الدور الأردني في المنطقة
إن صمود الأردن خلال 7 السنوات الماضية كان لفضل سياسات أوباما التي اعتبرت الأردن حليفا مثاليا يرتكز إليه الدور الأمريكي في المنطقة سواء في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو أزمات سوريا وليبيا.

السيناريو الأول:
أن يضغط على الإدارة الأمريكية حتى لو غضبت منها الولايات المتحدة أو قلصت المعونات فقرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل كان فرديا أحاديا.

والحكومة الإسرائيلية لانتزاع الاعتراف بحقوق الوصاية التاريخية على الأردن سواء تجميد العلاقات الدبلوماسية أو تجميد اتفاقية وادي عربة وهذا السيناريو الأقرب.

السيناريو الثاني:
عرقلة الجهود الأمريكية في المنطقة وتأكيد أن واشنطن فقدت دورها النزيه في المنطقة بإعلانها أن القدس عاصمة إسرائيل وإفشال خطة جاريد كوشنير المنحاز إلى إسرائيل من البداية التى تسعى إلى تسوية القضية الفلسطينية بشكل غير عادل وعلى حساب الفلسطينيين.

الخلاصة: إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبر نعمة كبيرة لدول في المنطقة فهو للأردن نقمة؛ نظرًا لأفعاله غير المسئولة في الشرق الأوسط والتي تهدد شرعية أنظمة حليفة لواشنطن مثل مملكة الأردن.
Advertisements
الجريدة الرسمية