رئيس التحرير
عصام كامل

القدس في ذاكرة التاريخ ( 2)


وفى عام 614 م جاء الفرس واحتلوا مدينة القدس الشريف وسمحوا لليهود دخولهم للمدينة مرة أخرى فذبحوا آلاف المسيحيين فيها ومكثوا فيها 15 عامًا، وبعدها استرجعها الإمبراطور البيزنطي هرقل (فلاقيوس أغسطس هرقل) أرمينى الأصل.. وفى عام 637 م فتحها العرب المسلمون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب واستولى على أراضي فلسطين والقدس من يد البيزنطيين، ودخلها ورسم فيها مكانًا لبناء المسجد الأقصى، وقد بني المسجد بطريقة بدائية من الأحجار وخشب الأشجار والنخيل البسيط في ذلك الحين.


وفى عام 691 م شيد الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان المسجد الثانى وهو قبة الصخرة وفى عام 709 م، كما شيد الخليفة الوليد بن عبد الملك المسجد الأقصى المجاور بصورته الحالية، ومن هنا صارت المدينة المقدسة أورشليم تحمل هوية جديدة للعبادة فيها الثلاث أديان "اليهودية والمسيحية والإسلام".

وفى القرن الحادى عشر الميلادي بدأت الحروب الصليبية والصراع في مدينة القدس بين الغرب والعرب، واستطاع صلاح الدين الأيوبى استرداد القدس من يد الفرنجة عام 1187م بعد معركة حطين.. وبعد وفاة صلاح الدين الأيوبى جاء الصليبيون واستولوا على القدس مرة أخرى ثم استردها نجم الدين الأيوبى عام 1244م، ثم أخذها التتار وطردوا كل اليهود منها.

وفى عام 1259م استردها الحاكم المصرى بيبرس، وهو من أبرز ملوك مصر، ولم يجلس على عرشها أقل من عام واحد فقط، وهو قائد معركة عين جالوت، وصارت فلسطين والقدس الشريف كلها تحت حكم الإمبراطورية المصرية والشام وأصبحت فلسطين جزء من الإمبراطورية المصرية إلى أن دخلها الأتراك العثمانيين.

في عام 1517 م احتل الأتراك العثمانيون مدينة القدس وفلسطين أكثر من 300 سنة، وأصبحت المدينة تابعة لهم وقسمت فلسطين إلى ست مدن وهى (القدس-اللد-غزة- الخليل-نابلس) إلى أن جاء محمد على حاكم مصر في عام 1831م، وأخذ فلسطين والقدس تحت حكمه وفتح أول سفارة بريطانيا بالقدس، وبعد فترة وجيزة فتح الكثير من القنصليات الأوروبية الأخرى، فكانت تلك القنصليات باكورة تزرع في أرض فلسطين، ولكن استردها الأتراك العثمانيون مرة أخرى عام 1840م، وكانت الفترة هادئة بين اليهود والمسلمين المغاربة في القدس، وكان عدد سكان القدس في ذلك الحين 15 ألف نسمة من الديانات الثلاث.

وبعد الحرب العالمية الأولى في عام 1922 منحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين والقدس، وبدأت من هنا رحلة تهويد القدس، وخاصة بعد "وعد بلفور" بعد الاتفاقية بين إنجلترا والزعيم الروحي والمؤسس الأول( ثيؤدور) للحركة الصهيونية العالمية كحركة سياسية واستعمارية الذي رأى الحل الأمثل للمشكلة اليهودية، التي كان يتعرض أصحابها في أوروبا للكراهية، هو في إقامة دولة لهم في أي مكان وليكن فلسطين على أن تحظى هذه الدول بترحيلهم إلى فلسطين زاعمة أن لهم فيها حقوقًا تاريخية ودينية.

وبدأ الصراع اليهودى العربى من تلك الاتفاقية فأصدرت الهيئة الدولية قرارها بتدويل القدس تحت رعايتها عام 1947م، ولكن في عام 1948م أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب وسحب قواتها لتعلن دولة إسرائيل، وبعدها اندلعت الحروب في 1948م، قدمت الدولة المصرية شهداء وأبطالًا عظماء، وانتهت الحرب بتقسيم القدس بين الفلسطينيين والإسرائيليين بأن القدس الغريبة يهودية والقدس الشرقية فلسطينية عربية.

وفى عام 1967م حدثت حرب واحتلت فيها إسرائيل على الضفة الغربية من نهر الأردن وشبه جزيرة سيناء المصرية، وعلى هضبة الجولان السورية وبعض مدن في الأردن وعلى القدس الشرقية وهدموا حارة المغاربة المواجهة لحائط البراق، الذي يتعبد عنده اليهود وجعلوها ساحة صلاة لهم، وبدءوا في بناء المستوطنات لتغيير هوية المدينة تحت سمع وبصر الدول العربية والإسلامية وكل الهيئات الدولية، ثم صدرت قرارات مجلس الأمن الدولى بالأمم المتحدة الأول برقم 242 لسنة 1967م، الذي يدعو فيه إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضى التي احتلتها، وبأن القدس أرض محتلة لا يجوز بناء مستوطنات عليها، والعودة إلى حدود ما قبل حرب 1967م، والقرار الثانى برقم 478 لسنة ينص القرار على أن المجلس لن يعترف بقانون القدس، وادنت فيها إسرائيل ضم القدس الشرقية، واعترفها بأن القدس عاصمتها، وهذا انتهاكًا للقانون الدولى، وطالبت الدول الأعضاء بالمجلس بسحب بعثاتها الدبلوماسية من مدينة القدس وقرارات أخرى ضدها بتفكيك المستوطنات القائمة، والتوقف عن التخطيط والبناء بما فيها القدس الشرقية وبطلان الإجراءات لتغير الطابع القدسى وعدم الاعتراف بالقانون الإسرائيلى بشأن القدس.

وفى عام 2001م حاول اليهود وضع حجر أساس جديد لبناء هيكل سليمان للمرة الثالثة، ولكن حدثت انتفاضة كبيرة من قبل الفلسطينيين فتوقف المشروع.

ونضيف تاريخًا جديدًا هذا العام 2017م، حيث القرار الأمريكى الجائر على مستقبل القدس وفلسطين المحتلتين فقط بالاعتراف بالدولة الإسرائيلية، وجعل القدس عاصمتها الأبدية، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشرقية، وهذا القرار أخطر قرار لتهويد القدس والاستيطان بفلسطين منذ تصريح اللورد بلفور سنة 1917م، وقرار التقسيم سنة 1948 م، ثم يخلق صراعًا عريبًا يهوديًا يؤدي إلى غليان منطقة الشرق الأوسط ويصنع الإرهاب في كل دول العالم.

وتم انعقاد جلسة طارئة بمجلس الأمن وانتهت الجلسة برفض القرار المنفرد من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والحفاظ على قرارات الأمم المتحدة السابقة بأن القدس أرض محتلة، وجاء رفض أيضًا من الجلسة الطارئة من جامعة الدول العربية برفض القرار والاعتراف بأن دولة فلسطين عاصمتها القدس الشرقية، وجاء رفض من الاتحاد الأوروبى والمجتمع الدولى لكونه متناقضًا مع كل المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية بشأن وضعية مدينة القدس، وعدم احترام قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل السلام وقرارات منظمة اليونسكو الدولية بخصوص القدس.

والآن تشتعل الشوارع الفلسطينية والعربية والإسلامية في كل البلدان بتظاهرات تعبيرًا على الرفض القاطع لهذا القرار الأمريكى المخالف للقانون الدولى والجمعية العمومية الدولية من أجل السلام، وتعتبر ورقة ضغط للرئيس الأمريكى للرجوع عن قراره الجائر.

وأخشى ما أخشاه من قادة حماس وأنصار بيت المقدس والجهاد الإسلامى وفصائل قطاع غزة المسلحة وحزب الله بالضغط على الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولى لوقف القرار بالانتفاضات الشعبية من العنف المحتمل، وشرعنة أشكال التطرف تجاه السفارات الأمريكية من خطف واغتيالات الدبلوماسيين الأمريكيين في كل بلدان العالم، وجر المنطقة والعالم نحو فوضى عارمة خاضعة لحق القوة وليس لقوة الحق.. ربنا لا يسمح بذلك الخطر.

أطالب الشعب العربى في كل مكان بالذهاب إلى مدينة القدس وكل المدن الفلسطينية، وهذا نوع من التضامن وليس من الخيانة لإنهاء عملية التهويد للقدس، وثبوت ملكيتنا في دير السلطان والكنائس القبطية هناك، والحفاظ على الحق المشروع في دخول العرب من المسيحيين والمسلمين لكنيسة القيامة والمسجد الأقصى في أي وقت ما.

وإن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هو قرار منفرد وباطل ومستهتر بكل الأعراف والقوانين الصادرة عن المنظمات الدولية سابقة الذكر والجائر في حق مدينة السلام، والقرار لن يغير في الأمر شيئًا إلا تعقيد العلاقات بين أمريكا وحلفائها وانفصالها عن عملية السلام، وفى حالة عدم رجوع ترامب عن قراره ينبغى من دول الأعضاء بمجلس الأمن والجمعية العامة الدولية بسحب حق الفيتو الأمريكي وعدم تقديرها بين الشعوب بعلة المخالفات القانونية والدولية، فالقدس عاصمة الدولة الفلسطينية العربية للأبد شاء من شاء وأبى من أبى.. والقوة للتاريخ والعقل والمنطق والحكمة.
الجريدة الرسمية