رئيس التحرير
عصام كامل

صحوة عربية.. قبل فوت الأوان!


سواء جاء القرار الأحمق، الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، على خلفية الأزمات التي يواجهها داخل بلاده، التي ربما تؤدي إلى الإطاحة به قبل أن تكتمل الفترة الأولى من رئاسته، أو جاء هذا القرار لانحيازه الكامل لإسرائيل التي يردد دائما أنها واحة الديمقراطية وسط محيط عربي استبدادي، أو جاء لأسباب أخرى ربما تتضح خلال الأيام المقبلة، إلا أن الحقيقة التي لا تخفى على أحد، أنه لم يكن بمقدور الرجل أن يتخذ هذا القرار، لو كان الواقع العربي أفضل..


لكن للأسف أحوال الدول العربية المتدهورة تغرى على اتخاذ قرارات صادمة من قبل أعداء الأمة العربي، دون أية مخاوف من ردود أفعال مؤثرة، وما يجري من حروب بين العرب سواء على الساحة اليمنية أو السورية، أو بين الشيعة والسنة في العراق، أو ما يجري على أرض ليبيا التي أصبحت ساحة لعشرات الجماعات الإرهابية، كل تلك الأوضاع المتردية.. كانت ضمن حسابات الرئيس الأمريكي.. الذي تصور أن ردود الأفعال العربية والإسلامية ستقتصر -كالعادة- على بيانات الشجب والإدانة، دون تحرك رسمي وشعبي فعال لضرب المصالح الأمريكية.. والضغط على الرئيس الأمريكي لإجباره على التراجع.

وإذا أضفنا إلى هذا الواقع الكئيب الذي تعيشه الدول العربية، فإن المشهد الفلسطيني ليس أكثر إشراقا، فعندما يرى ترامب الصراع الذي يجري بين الفصائل الفلسطينية على تورتة الحكم.. حتى لو كان تحت سيطرة الاحتلال، فلا بد أنه لن يقيم أي وزن لردود أفعال مؤثرة تجبره على تأخير القرار الذي لم يستطيع رئيس أمريكي آخر أن ينفذه رغم صدوره من الكونجرس منذ أكثر من ٢٠ عاما.

وعندما يرى ترامب أصحاب القضية، وهم يتقاتلون ويخون بعضهم بعضا، بسبب مصالح شخصية، فلا بد أنه سيقدم على القرار الذي عجز غيره من الرؤساء على اتخاذه.

ما أغفله الرئيس الأمريكي، أن القدس ليست قضية فلسطينية.. أو عربية، إنما هي قضية مليار ونصف المليار مسلم في أنحاء العالم، وأن قراره أثار غضب الأقباط.. وعبر قداسة البابا في روما عن هذا الغضب كما أجمعت قيادات الكنائس المصرية عن إدانتها للقرار.. الذي سيُأجج نار الفتنة بين المواطنين في مختلف الدول.

وبما لم يتوقع الرئيس الأمريكي، أن يجد قراره هذا الرفض الأوروبي التي ربما يعول على أنها ستسانده.. أو على الأقل لن تدينه، وما جرى من مناقشات داخل مجلس الأمن الجمعة الماضي، يثبت أن معظم دول العالم عبرت عن رفضها القرار.. وتحذيرها من تبعاته، ولم يجد الرئيس سوى عدد محدود من الدول التي أيدت قراره.

وكان لتصدي الدولة المصرية لهذا التوجه.. سواء من خلال الاتصال الذي جرى بين الرئيس الأمريكي والرئيس السيسي، الذي أبلغه بوضوح اعتراض مصر.. وتحذيره من آثاره على المصالح الأمريكية، والبيان المشرف الذي ألقاه مندوب مصر لدى مجلس الأمن، وتحذيره من تخطي القرارات الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول، وطالب بالتزام الأمم المتحدة بتفعيل قراراتها التي أكدت أن إسرائيل دولة محتلة للأراضي الفلسطينية، وإقامة دولتهم على الأراضي التي تم احتلالها في يونيو ٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.

ومن المؤكد أن الدور المصري، لم يتوقف عند هذا الحد، إنما من خلال الاتصالات التي أجراها الرئيس مع العديد من الملوك والرؤساء، للحديث حول أهمية التمسك بحل الدولتين الذي أقرته الأمم المتحدة، ولا بد أن تلك القضية كانت في مقدمة القضايا التي يبحثها الرئيس السيسي مع الرئيس الروسي بوتين خلال زيارته لمصر.

والأمل أن يدفع هذا القرار الخطير، الأطراف الفلسطينية إلى التوحد، والعبور على خلافاتها حتى تستطيع أن تكسب ثقة العالم، وأن يدفع هذا القرار الذي لن يقتصر تأثيره على دولة عربية بعينها إنما ستمتد تأثيراته السلبية إلى جميع الدول بلا استثناء، مما يفرض على الجميع مواجهة التحدب بوسائل فعالة، بدلا من الاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة.. الأمل في صحوة عربية.. قبل فوات الأوان!
الجريدة الرسمية