رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الرشوة.. هل تختفي من مصر؟!


الشرفاءُ كثُرٌ، والأتقياءُ ينتشرون في بقاع المحروسة.. ووسط المساحات المضيئة تبرز نقاط معتمة، داكنة، سوداء، تمثل الفاسدين.. ومن بين ألوان الفساد، تحظى الرِشْوةُ في مصر بنصيب الأسد، من الانتشار والتقنين، والتَفَنُّن في اختلاق صور جديدة ومبتكرة.

وتصعب الإجابة على أسئلة من قبيل: لماذا تتفشَّى بهذه المعدلات، ولا تفرِّقُ بين طبقةٍ وأخرى، ولا تستثني مستوى تعليميًّا، أو اجتماعيًّا؟!

لماذا صارت ثقافةً سائدةً بين بعض أفراد المجتمع، وأمستْ عُرفًا متَّبَعًا في مختلف الأوساط، لا فَرَقَ بين موظفين في الوزارة، وأساتذة الجامعات، ووزراء، ومُحافظين، وأطباء، ومهندسين،.. إلخ؟! قبل أن نستطرد، علينا، إحقاقا للحق، أن نثَمِّنَ غاليا الضرباتِ الناجحةَ للأجهزة الرقابية، وفي المقدمة منها الرقابة الإدارية، ففي كل يوم، تقريبا، تطالعنا الأنباء بوقائع ضبط لفاسدين متلبسين بالارتشاء.

أيضا، لا يمكن لذي عينين أن يعمم وصمة الفساد على الكافة، فالكنانة تكتظ بالشرفاء، صغارًا وكبارًا، وكثيرًا ما نجد شرفاء يرفضون، في إباء وشَمَم، رشوةً من صاحب مصلحة، ولربما يكون في أحوج ما يكون إلى أقل القليل من المال، لقضاء حاجة، أو اجتياز أزمة.. والأمثلة على ذلك من الكثرة بمكان.

بداية، تُعَرِّف "ويكيبديا" الرِشْوَةَ، وجمعها "رِشًا"، بأنها نـوعٌ من أنواع الفساد، يُطلق على دفع شخصٍ أو مؤسسةٍ مالًا أو خدمةً من أجل الاستفادة من حق ليس له، أو أن يعفيَ نفسه من واجبٍ عليه.. وتُعرَّف الرِشوة بأنها كسبٌ غير مشروعٍ ناتجٌ عن حصول الموظَّف الحكوميّ على أموال مستغلًاّ مركزه، لقضاء حاجة النَّاس التي يحصلون عليها كحقٍّ من حقوقهم مجّانًا أو برسوم.

ونضيفُ أن الرِشوة، في هذه الأيام، لم تعد قاصرة على موظفي الحكومة، بل اتسع نطاقُها إلى القطاع الخاص أيضًا؛ نظرًا لتشابك العلاقات الاقتصادية، وضبابية المسئوليات والالتزامات؛ فأنت تدفع أحيانًا رشوةً لعامل في "سوبر ماركت" لإنجاز مشترواتك، وترشو "سايس" في جراج لأداء الخدمة المنوطة بهه على وجهها الصحيح.. قد نسميها "إكرامية"، أو "شاي".. وأخيرا صار متعارفا على المبالغ الكبيرة اصطلاح "شاي بالياسمين".

وقد ازداد المنسوبُ مع انتشار ظاهرة التديُّن الشكليّ، على خلفية تغلغل التشدد والتطرف الديني، بحيث باتَ الإنسانُ يتوجس شرًّا من التعامل مع أشخاص ذوي لحى؛ فكلما استطالت اللحية، كان عليك الحذر من الوقوع في براثن نصاب أو مرتشٍ.. وغير خافٍ ما بهذه العبارات من ظلم للشرفاء إذا عممنا التهمة.

وتبدلت مفاهيم الرشوة، وأشكالها، فصارت هناك الرشوة الجنسية، وتلك صورة تتعدى موظفي الحكومة إلى بعض أساتذة الجامعات الذين يخيرون الطالبات بين الاستسلام لشهواتهم وبين الرسوب، وهناك أيضًا مدربو الكرة في أندية من الدرجة الثالثة، حيث اشتهرت حالات القبض على "العناتيل" متلبسين بالجريمة المقززة!!

وإذا كان القانون يفرِّقُ في بعض الحالات بين موقف الراشي، والرائش، والمرتشي، فيعتبر الراشي، أحيانا، بريئا، وأحيانا يجرمه، والرائش، وهو الوسيط الساعي بالرشوة بين الطرفين، في الأغلب الأعم، شريكا في الجريمة.. فإنه يجرم المرتشي، طالب الرشوة، في كل الحالات.

والرشوة، في نظر القانون المصري، من جرائم ذوي الصفة الخاصة في القانون؛ لأنها تفترض في مُرتكِبها صفة خاصة لا تقوم الجريمة بدونها؛ وهي: كون المُرتشي موظفًا عامًا مُختصًا بالعمل الذي تلقّى الرشوة للقيام به، وبناءً على هذه الصفة المُفترَضة، تعدّ جريمة الرشوة، كذلك، من جرائم الوظيفة العامة في مصر.

أما الإسلام فموقفه ثابت؛ فعن أبي حميد الساعدي، رضي الله عنه، قال: استعمل النبي صلي الله عليه، وآله، وسلم، رجلا من الأزد، يقال له: "ابن اللتبية" على الصدقة، فلما قدم، قال: هذا لكم، وهذا أُهْدِيَ إليّ !.

قال: فقام رسول الله صلى الله عليه، وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد.. فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي، فيقول: هذا لكم، وهذا هدية أُهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقِّه إلا لقي اللهَ بحمله يوم القيامة، فلا أعرفنَّ أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر"، ثم رفع يديه حتى رُؤيَ بياضُ إبطيه يقول: "اللهمَّ هل بلَّغتُ".
وقال صلى الله عليه وآله، وسلم: "لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم".

ورغم ما نشاهده ونسمع به من وقائع القبض على متورطين، ونيلهم جزاءهم المستحق، فلا أحد يرتدع، بل المجرمون يواصلون جرائمهم، دون أن يرمش لهم جفن.. هل ثَمَّ أملٌ في تراجعها، توطئة لاختفائها تماما؟!

الحل في الأسرة، وفي المدرسة، وفي المسجد والكنيسة.

هيئة النيابة الإدارية وضعت دراسة ببعض الأسباب التي أدت لانتشار جرائم الرشوة بين الموظفين، حددتها في 5 أسباب، هي: ضعف التربية الأخلاقية والدينية وفساد المفاهيم التي أدت إلى استحلال المال العام.. وعدم وجود إشراف ومتابعة حقيقية على أعمال الموظف.. وتأخر الفصل في المسئولية الجنائية والتأديبية عن تلك الجرائم وبما لا يحقق الردع العام والخاص.. وضعف رواتب الموظفين بصفة عامة، وتركيز تلقي الخدمات وإنجازها في يد عدد محدود من الموظفين.

وقدمت مقترحات بالحلول: النظر في رفع الحد الأدنى لأجور الموظفين بما يكفل لهم العيش الكريم، وتفعيل نظم الرقابة الداخلية والمسئولية الإشرافية، وفصل تلقي الطلبات عن أداء الخدمة والعمل على أن يكون التعامل المباشر مع الجمهور في أضيق الحدود، وتشديد العقوبات عن تلك الجرائم، بحيث يتقرر عنها عقوبة الفصل من الخدمة أو الحرمان من المعاش، واختيار أماكن آمنة لحفظ العُهَد وتعيين الحراسة اللازمة عليها، واستخدام وسائل الإنذار الإلكترونية ضمن منظومة أمان المخازن.. فهل تفلح التكنولوجيا، والتقدم العلمي فيما فشلت فيه الضمائر؟!
Advertisements
الجريدة الرسمية