رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عرض مسرحي إسلامي في إسطنبول!


أن تشتم دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تلعن اليوم الذي خرج فيه إلى الدنيا من بطن أمه، ليغرق أمته والعالم والعرب في أزمات وفضائح ومغامرات، تتفجر في رأسه فجأة، أو يخضع فيها لنزوات خاصة أو يراها حلمًا وعد به جماهيره يومًا قبل أن يصير رئيسًا، فأنت في الحقيقة لا تسبه ولا تلعنه، لأنه ببساطة لا يرى أنك أضفت إليه شيئًا فهو فيه كل العبر، ومسألة السباب وصب اللعنات واستدعاء السماء الغاضبة لتمطره بالحجارة الحارقة، كلها في نظره، أمور غرائبية، وغيبية غبية، تنتمي إلى عصور السحرة في قبائل العرب والهنود الحمر وأفارقة القرن التاسع عشر!


وإذا كان الناس في الشرق الأوسط، وفي العالم الإسلامي يستخدمون شبكة المعلومات الدولية، ومواقع الفيس وإنستجرام وتويتر، وكلها أمريكية، لسب وشتم ولعن رئيس أمريكي، فليس لهذا من معنى إلا أننا نستحق ما يفعله بنا ترامب ونتنياهو؛ لأننا تحولنا بالجهل والنطاعة والتقليد والغش إلى أمة تستهلك التكنولوجيا ولا تنتجها، وأمة تستهلكها السياسة، ولا تنتصر بها، بل تتحول بها إلى بحور وأنهار من الدماء. 

وأمس تداعى إلى تركيا قادة وزعماء ووزراء أكثر من ٥٠ دولة إسلامية، عربية وغير عربية، وخطبوا وشجبوا وغضبوا، وتمردوا، على أمريكا، وتحدوها بأن اعترفوا معا بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، ردًا على قرار ترامب بالاعتراف بالقدس المحتلة، فضلا عن الغربية عاصمة موحدة لدولة إسرائيل.

هذه خطوة طيبة بلا شك وتصعيد كرامة، وحرارة موقف، المتخاذل فيه سينفضح، لكن كل دولة من الحاضرين هو حليف أو صديق أو حميم أو مرتبط بعلاقات متباينة القرب والقوة من واشنطن وفق توصيف الحليف أو الصديق أو الحميم، وكل دولة من هذه الدول مقتنعة تمامًا بأن الأمريكيين لا يوثق بهم، ويبيعون حلفاءهم عند أول منعطف، لكنهم لا يجرءون على مكاشفة أنفسهم أو مواجهة الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ناهيك عن مواجهة القنبلة المتفجرة الحاكمة في البيت الأبيض حاليًا.

وببساطة، فإن هرولة تركيا إلى استدعاء دول منظمة التعاون الإسلامي إلى قمة طارئة لإنقاذ القدس الشرقية، وهو حق لها باعتبارها رئيسة الدورة الحالية، هو أمر فيه من المكايدة لأمريكا أكثر مما فيه من الإخلاص للقضية الفلسطينية، وفيه من المكافأة للحليف الروسي الحالي لهم، أكثر مما فيه من الشغف بقضية القدس.. والحقيقة أن الأمريكيين لم يضيعوا وقتًا، ففي نفس اليوم، أي أمس، الذي هاجمت فيه القمة الإسلامية برئاسة أردوغان قرار ترامب، خرج مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال هربرت مكماستر يعلن اتهام الولايات المتحدة لتركيا، وكذلك قطر بدعم وتمويل الإرهاب ورعايته، وقال "البلدان ضالعان في دعم الأيديولوجيات المتشددة وتمويلها".

وبدورها ردت الخارجية التركية بأن أمريكا تنهج النهج ذاته وتدعم حزب العمال الكردستاني، المناهض لتركيا والداعي إلى الانفصال عنها!

قبل هذا التراشق بين حليفين في منظمة دفاعية وفي عقيدة قتالية متفق عليها هي حلف شمال الأطلنطي، نشب تلاسن أكثر حدة بين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل، وبين رجب أردوغان، فقال الأخير يوم الأحد الماضي:
"فلسطين ضحية بريئة، أما إسرائيل فهي دولة إرهابية.. نعم، إرهابية ولن ندع القدس تحت رحمة دولة تقتل الأطفال، سنناضل حتى النهاية".

نتنياهو رد عليه في باريس: "لن نتلقى محاضرات من أردوغان الذي يقصف قرى الأكراد ويدعم إيران والإرهابيين في غزة".. و"لست متعودًا على تلقي دروس أخلاقية ممن يقصف القرى الكردية ويسجن الصحفيين ويساعد إيران على الإفلات من العقوبات الدولية".

اشتعلت إذن كرة النار منذ أعلن ترامب قراره الصادم بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وبالتجهيز لنقل سفارة بلاده إليها.. لكنها كرة نار من نوع النار الديكورية في أفلام التعذيب، تضيء ولا تلسع، فالعلاقات العسكرية والتجارية بين تل أبيب وأنقرة وبين الأخيرة وواشنطن أبعد وأضخم وأعمق وأكثر تكلفة من خطاب سياسي استرضائي لزوم وجاهة الدور العثمانلي في المنطقة المنكوبة!

ما هي الخطوة التالية في اتجاه التصعيد؟!
انتفاضة ثالثة؟!
سحب سفراء الدول الخمسين من واشنطن؟!
إعادة العمل بسياسة مقاطعة الشركات المتعاملة مع إسرائيل؟!
لن يذهب أحد إلى مدى أبعد مما سمحت به خشبة المسرح في إسطنبول، ولا محركو العرائس.
Advertisements
الجريدة الرسمية