رئيس التحرير
عصام كامل

الإمام والبابا.. تحية إجلال


لم يكن رفض الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، لقاء نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، وليد موقف مفاجئ، ولم يكن كذلك موقف قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية؛ فكلاهما يترأس المؤسسة الدينية الرسمية في البلاد مع ما لهما من مجال مستقل بعض الشيء، يمكنهما من خلاله التحرك خارج إطار السياق الرسمي، ومع ذلك فإن رفض الشخصيتين الدينيتين الرسميتين لم يكن بعيدا عن الموقف الرسمي المصري الذي يرفض المساس بالقدس.


الجديد أن شخصية سياسية أمريكية قد يكون لها دور أكبر في السنوات القادمة، واجهت موقفا حاسما وأحزم من الطيب وتواضروس، برفض لقائه باعتباره ينتمي إلى الإدارة التي قررت فجأة تصفية القضية الفلسطينية، ولم يغب عن الشخصيتين المصريتين أن "بنس" هو صاحب الوعد الأصلي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو ما يبرر ظهوره خلف الرئيس ترامب أثناء توقيعه على وثيقة نقل السفارة.

قال الأزهر ومعه الكنيسة ما لم يقله حاكم عربي في الوطن الكبير، وفعلا ما لم يفعله وما لم يستطع فعله سياسي عربي من المحيط إلى الخليج، وقدما نفسيهما إلى الشارع العربي بما يليق بهاتين المؤسستين العربيتين الخالصتين، بعيدا عن دهاليز السياسة ودروب الدبلوماسية التي ربما تتخذ نفس المواقف ولكن دون إعلان على الملأ كما فعل الأزهر وكما فعلت الكنيسة.

الموقفان الإسلامي والمسيحي المنطلقان من مصر، بما لها من وازع ديني مؤثر في المحيط العالمي، قد أجهزا على تربص البعض، خاصة شيوخ الفضائيات المنتشرين في ربوع الوطن ومتمردي الكنيسة الذين يحاولون النيل من دورها على المستوى الداخلي والخارجي.

موقف البابا والإمام يخلق حالة أخرى من العناق الوطني والوفاق الديني، عكس ما يحاول بعض شيوخ الحناجر ومناضلي المقاهي، ويعيدان مرة أخرى المواقف إلى جذورها، عندما أعلن البابا شنودة عليه رحمة الله، حظر زيارة المناطق المقدسة في فلسطين داعيا المصريين إلى الصبر حتى نذهب معا إلى القدس، وظل هذا الموقف معانقا موقف الأزهر من التطبيع مع العدو الصهيوني.

تكرار هذه المواقف يؤكد أن المصريين يعيشون على أرضية وطنية واحدة، دفعت المسيحي لأن يضحي بجزء كبير من عقيدته في الحج إلى بيت المقدس، من أجل قضية مسيحية وإسلامية عادلة، ويعيد مرة أخرى أمجاد المواجهة الإسلامية المسيحية للحروب الصليبية التي واجهها أجدادنا بروح الوطنية الغيورة على تراثها وتقاليدها وعقائدها دون تفريط أو خيانة.

بات واضحا أن المؤسستين قد اتخذتا موقفهما الشجاع بتنسيق بينهما، وهو الموقف الذي لقن الإدارة الأمريكية درسا قاسيا ويمنح القادة العرب مسوغا لمواقف أكثر جرأة، خاصة أن الأمور على هذا النحو لم تترك للحكام العرب فرصة واحدة للظهور بشكل يليق أمام شعوبهم، ويكشف بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام حرب أقسى من الحروب الصليبية التي واجهها أجدادنا بشجاعة.

الموقف المتناغم بين الأزهر والكنيسة يضعنا أمام ما حاول البعض طمسه خلال سنوات طويلة من محاولات النيل من وطنية المؤسستين الدينيتين الأعرق في محيطهما الإقليمي والدولي، وأكد من جديد أن القضايا الوطنية واحدة، وأن الأمة العربية لديها أزهر ولديها كنيسة، وكلاهما قادر على اتخاذ مواقف لم يقو على اتخاذها رجال السياسة.

الجريدة الرسمية