رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مسعف ضحايا عقارات روض الفرج يروي تفاصيل البحث عن العالقين تحت الأنقاض

عقارات روض الفرج
عقارات روض الفرج

دق جرس المنبه في ساعته المعتادة يوميا، تمام الثامنة صباحا، الجو هادئ في الحي الذي لا ينام، بترعة بدران في منطقة روض الفرج بالقاهرة، يستيقظ "إسماعيل سعد" على صوت الجرس: "كان قلبي مقبوض وحاسس اليوم مش هيعدي"، كأنه كان على دراية بما سيحدث له في هذا الثلاثاء "الثقيل"، كما أطلق عليه.
"لبست لبس الشغل وبفتح باب أوضتي، وسمعت صوت زي الانفجار والدنيا كلها ابيضت في الشباك، سمعتهم بيقولوا: الحقوا البيوت بتقع"، فيهرع إسماعيل إلى شرفته لا يرى شيئا ولا يستطيع أن يتبين تفاصيل المشهد خلف الرماد المتناثر في أرجاء الشرفة، "كأنه يوم القيامة، لقيت نفسي بنط من الشباك، وأنا ساكن في دور تحت، وفي إيدي الجاكيت بتاعي".


الأجساد تتلاحم وتتدافع نحو الأنقاض، صراخ يهدأ ثم ينطلق من جديد، سيدة تستجدي أحدهم: "استروني ربنا يستركم"، ليسرع إسماعيل نحوها، يخلع الجاكيت الجلد، ويلقيه فوقها، "مكنتش حاسس بالبرد كان كل همي أغطيها"، كأن إسماعيل وحده في ساحة المعركة، يستنجد بأحد الباعة في المحال أن يتصل بالإسعاف.. "الإسعاف جت بعد نص ساعة، كنا أنقذنا نص الضحايا وأنا طلعت ست ميتة كانت مسنة"، ليحمل إسماعيل لقب "مسعف ضحايا انهيار عقارات روض الفرج المؤقت".

لحظة قد لا يمر بها المرء إلا مرة واحدة في حياته، فأنت وحدك تصارع الموت دون أسلحة.. "كان كل همي مجيش أنقذ حد أوقع على راسه حاجة تموته، خاصة إن دي أول مرة أمر بحاجة زي دي"، يتحدث إسماعيل بينما ينفض الغبار عن ذراعيه وملابسه وشعره.

شعر إسماعيل حينما كان يباعد بين الجسد المغطى بالدماء وبين الركام، أنه مخلص الكون: "حسيت إن ربنا أعطاني قوة معرفش جت منين؟!". فشرع في إبعاد القطع الكبرى أولا وتتبع صوت الأنين الصادر من أسفل، "أصعب لحظة وأنا سامع أصواتهم تحت بينادوا وبنت بتنادي عليا مطلعهاش إلا لما أغطيها بلبسها كويس"، أطلق العنان للسانه ليتلو ما شاء الله له من آيات الذكر الحكيم، مرددا "يا رب قدرني أحافظ على حياتهم".

مرت النصف ساعة كأنها عشر سنوات كما قال إسماعيل الشاب قوي البنية، ذو الثلاثين عاما، العامل بورشة خراطة الحديد، بالقرب من بيته المواجه للعقارات المهدمة: "أنقذت 4 وواحدة ماتت، كانت عجوزة وجسمها متحملش تطلع من تحت الأنقاض، كانت غرقانة دم ومفيهاش نفس"، عظام الضحايا كانت تتهشم في يدي إسماعيل، أنينهم كان يشعره أنه اليوم مفوض من قبل السماء ليبدأ مهمة رجال الإسعاف، الذين أهدروا وقتا حتى وصلوا إلى حارة البرنس، التي شهدت الحادث المأساوي اليوم، "أنا لو كنت استنيت ومشجعتش الرجالة وأنقذناهم يمكن كانوا ماتوا كلهم".
Advertisements
الجريدة الرسمية