رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

٢٤٣ مليون شخص يتعاطون المخدرات حول العالم.. دراسة أمنية تستعرض جوانب مشكلة الإدمان.. الباحث يضع آليات جديدة للمواجهة بمشاركة المجتمع المدني.. ويعرض أسباب استمرار الظاهرة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كشف الباحث جواد محمد عبود في دراسة تحت عنوان "المواجهة الأمنية لجريمة تعاطي المخدرات بين النشء والشباب"، المقدمة إلى كلية الدراسات العليا بأكاديمية الشرطة، أن عام 1931 كان بداية اتجاه أنظار المؤسسات الأمنية إلى ضرورة الاهتمام بمنع تسريب المخدرات إلى القنوات غير المشروعة، وكانت المرة الأولى التي تتجه فيها الأنظار إلى الاهتمام بخفض الطلب على المخدرات باعتباره الجناح الثاني لمواجهة الجريمة.


ومن بعدها، تبنت الاتجاهات الدولية الاهتمام بجانب خفض الطلب في كافة المعاهدات والإعلانات الصادرة عن الأمم المتحدة، وكان من أهمها ما صدر عن الدورة الاستثنائية العشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت بنيويورك في يونيو ١٩٩٨، التي صدر عنها إعلان المبادئ التوجيهية لخفض الطلب.

عنصران مترابطان لظاهرة واحدة، يتفاعلان بشكل كبير ويؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به، فالطلب على المخدرات يحفز العرض وينشط المنتجين والجالبين والمروجين، بينما توافر المخدرات يخلف بدوره تسهيلًا وتيسيرا ً يساعد المجربين والمتعاطين من المعتادين والمعتمدين في الحصول عليها، الذي غالبًا ما ينتهي إلى تزايد وتيرة ومعدلات الطلب على المخدرات.

ولا شك أن الهدف الأساسي لكل من استراتيجيات خفض العرض والطلب هو نفسه التقليل إلى أدنى حد من تناول وتعاطي المخدرات غير المشروعة أو التخلص منه ما، وإذا ما تم بلوغ ذلك الهدف، سينخفض أيضًا تطور الاضطرابات الناتجة عن تناول مواد الإدمان، وما يرافقها من مشكلات صحية واجتماعية، ما يحتم أن تكون البرامج الهادفة إلى التقليل من مشكلة المخدرات شاملة ومتكاملة ومتوازنة لا أنشطة متفرقة وتنافسية، وبالنظر إلى تعدد حلقات مواجهة مشكلة المخدرات- إنتاجا وتحويلًا وتصنيعا وزراعةً وتخزينًا وتهريبا وإتجارا وتعاطيا.. إلخ، فضلًا عن اتصال كل حلقة منها بالعديد من المشكلات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية مثل غسل الأموال والفساد والارتباط بتزايد معدلات ارتكاب الجرائم الأخرى.

أعداد المتعاطين للمخدرات
وتُعد مكافحة العرض وخفض الطلب من أساليب المواجهة، وتشير أحدث تقارير الأمم المتحدة إلى تزايد أعداد المتعاطين لأغلب أنواع المواد المخدرة التقليدية والمستجدة منها؛ حيث بلغ تقديرات إجمالي المتعاطين للمخدرات على مستوى العالم إلى ٢٤٣ مليون نسمة بما يمثل ٥.٢% من سكان العالم (٧،٢ مليار) معظمهم من الشباب، منهم أكثر من ١٧٧.٦ مليون نسمة يتعاطون القنب (الحشيش– البانجو)، و٣٣.٤ مليون يتعاطون أنواع الأمفيتامينات (الأمفيتامين– الإكستاسي)، و١٦.٣ مليون يتعاطون الأفيونات (الأفيون- الهيروين)، و١٧.٢ مليون يتعاطون الكوكايين، وهو مما يدل على أن مشكلة تعاطي المخدرات والإدمان عليها مازالت تشكل خطرًا كبيرًا يهدد العنصر البشري في مختلف بلدان العالم وقاراته المختلفة، غنية أو فقيرة، كما يهدد بانهيار الكثير مما حققه العالم من إنجازات، وبمزيد من التخلف للمجتمعات الفقيرة.

وتتمثل أهمية الدراسة في أن التعاطي والإدمان يعد لب مشكلة المخدرات، ومكمن الخطورة فيها؛ لأنه يمس الإنسان في ذاته وكيانه أولًا، وذلك قبل النظر للجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمشكلة، كما أن عملية التعاطي مازالت تثير العديد من القضايا، ومازالت الكثير من المشكلات تتفرع عنها؛ فنجد بدايةً خلافًا حول النظر إلى التعاطي بين من ينادي بإباحته أو تخفيف القيود عليه، وبين من ينادي بالتجريم والتشديد؛ وخلافًا آخر في النظرة إلى المتعاطي والمدمن بين من يراه مريضا يستحق العلاج والرعاية الكاملة، بل وضحية المجتمع أو الأسرة أو للتجار والمروجين، في حين يراه فريق آخر مجرمًا يلزم عقابه وتقويمه، وثالث يدمج بين النظرتين باعتباره مريضا في حالات، ومجرما في حالات.

كما يثور الجدل أيضًا حول المسئولية عن علاج المدمن وطرق هذا العلاج وجدواه، وغير ذلك فإن التفاوت في الرأي تتسع هوته كلما تعمق الحديث والبحث

تكرار تناول موضوع الرسالة كل فترة من الزمن، لما يطرأ -حتمًا- على الظاهرة من مستجدات في أنواع المخدرات وأساليب وأنماط تعاطيها، وفي استراتيجيات وسياسات وتشريعات مواجهتها؛ فلم يكن الباحثون في الثمانينيات شهدوا أو عرفوا أنواعًا كثيرة مما ينتشر الآن من المخدرات مثل (الإكستاسي والآيس والكابتاجون والكيتامين والترامادول، والمؤثرات النفسية الجديدة من "أشباه الأفيون وأشباه القنبين والكاثيونيات..إلخ") حول العالم، كما أن المتابع للتطورات يمكنه أن يلحظ أن الغد غالبًا ما سيحمل معه المزيد من التهديدات والمواجهات في الأسباب الدافعة للتعاطي والمانعة له، ودور كل منها في زيادة أو تحجيم أعداد المدمنين؛ كما اختلفت اتجاهات أجهزة إنفاذ القانون في البلدان المختلفة في كيفية التعامل مع المتعاطي، والإجراءات الشرطية التي يجب اتخاذها تجاهه، وأساليب تنفيذ السياسة التشريعية لمواجهة المشكلة.

هدف الدراسة
وتهدف الدراسة أيضا استهداف أنشطة المخدرات من أهم دعامات تقدم المجتمع وركيزته للبقاء والتنمية والحفاظ على النشء والشباب، السعي إلى دعم السياسات الشاملة والمتكاملة، وذلك بغية تناول المشكلة وفق منظور جديد، يقوم على تكامل جهود المواجهة على مختلف الأصعدة في جانب مكافحة العرض وخفض الطلب، والرغبة في استعراض دور كل من أجهزة العدالة الجنائية والمجتمع المدني في تحقيق سياسات المكافحة بشكلها المتكامل، متضمنًا كافة الجوانب الإيجابية والسلبية الحالية، مع وضع رؤية لتعظيم الإيجابيات وتحجيم السلبيات وصولًا إلى مجتمع رافض ومناهض للمخدرات.

ويأتي ذلك من خلال التركيز على أدوار كل من أجهزة إنفاذ القانون وآليات العمل الراهنة، والمنظور الحالي لجريمة التعاطي ومدى توافق نظرة المجتمع والقائمين على إنفاذ القوانين، ودور أجهزة إنفاذ القانون في مكافحة العرض، فضلًا عن إلقاء الضوء على دور المجتمع المدني في حلقة المواجهة لتوجيه وتعزيز ودعم الجهود الحكومية، لاسيما في مجال خفض الطلب.

وتهدف الدراسة أيضا إلى استعراض جوانب مشكلة التعاطي والإدمان من خلال إبراز بعدها التاريخي وحجمها وأسباب تفاقمها والآثار المترتبة عليها والأطر التشريعية والأجهزة المعنية بمواجهتها وخططه في تنفيذ أدوارها للخروج برؤية موحدة متكاملة تحقق العدالة والمصلحة الاجتماعية والوقاية الفعلية في إطار إنساني وقانوني، وتصحيح المفاهيم، والأساليب الخاطئة المؤدية إلى استمرارية المشكلة وتفاقمها، وتساعد في وضع إطار عملي لأجهزة إنفاذ القوانين لمواجهة هذه الجريمة، وإفراد دور محوري للمجتمع المدني لتفعيل جهود المكافحة.
Advertisements
الجريدة الرسمية