رئيس التحرير
عصام كامل

فلتذهب القدس.. استعيدوا هؤلاء أولا!


قد تظن أن بداية العبث كانت أثناء حملة المرشح المتطرف دونالد ترامب، والتي كانت تفوح منها روائح الكراهية العفنة والعنصرية البغيضة تجاه كل ما هو إسلامى وعربى، ومع ذلك كانت جل الأنظمة العربية تدعمها وتدعمه شخصيا، رغم كل ما صدر عنه ضد هويتهم العربية الإسلامية، ثم كان التهليل بنجاحه المريب، ثم أتى الفارس المغوار لينتهب أموال العرب بكل صلف وتجبر وتكبر وخنوع وانبطاح من العرب أنفسهم، بل إن البعض منهم اعتبر زيارته لبلادهم فتحًا مبينًا بل نصبوه زعيمًا للعالم الإسلامي!


لذا كان منطقيًا أن يكمل الحاكم بأمره والمتفرد بالعزة السيد ترامب مسيرة غزواته المباركة ويعلن عن اعتراف دولته بالقدس عاصمة أبدية لما يسمى إسرائيل.. لمَ العجب وهذا حالنا الذي لا يخفى على أحد.. لمَ العجب والمهزلة قد بدأت منذ ما يقرب من ربع قرن، عندما قام المجاهد ياسر عرفات بالتوقيع على اتفاقية أوسلو مع الصهاينة وسمى ذلك "سلام الشجعان"! مع أن الشجعان الفلسطينيين في فتح كانوا يوقعون على اتفاقية مجحفة في أوسلو بينما الشجعان الصهاينة يبنون مستعمرات في الأراضي المحتلة ويسميها الإعلام الجاهل المتهافت (المستوطنات)، وكل ذلك على عينك يا تاجر، قبلها بوقت قليل كان السيد فاروق الشرع وزير خارجية سوريا في مؤتمر دولى للسلام يتباهى ويفتخر بأن اليوم يوم الجمعة ووقت صلاة الجمعة المقدسة عند المسلمين ولكن لأن سوريا دولة علمانية فهى لا تجد بأسًا في تعارض عقد المؤتمر وقت صلاة المسلمين الأسبوعية، أو بمعنى أكثر دقة لا تحترم مقدساتها وهويتها، بينما امتنع الوفد اليهودي وقتها عن المشاركة في أي فعالية يوم السبت.. يوم سبتهم الذي تتوقف فيه حركة الكون احترامًا للتلمود.. كتاب التشريع الثاني بعد التوراة عند عائلة يعقوب أو إسرائيل وأنجالها وأحفادها ليوم الدين!

لمَ تحزنون إذن وتتباكون على ضياع القدس الآن وقد ضيعت منذ أمد بعيد، لمَ تصرخون على ضياع مدينة وقد أضعتم قبلها مدنًا وبلدانًا وملكًا عضوضًا منذ تخليتم عن هويتكم وأضعتم الحق في بلادكم.. طبعًا وبكل صراحة الكلام لا يوجه للشعوب المغلوبة على أمرها بقدر ما يوجه لمن يحكمهم، أو بالأحرى يتحكم فيهم بينما يقف عاجزًا صامتًا مسلمًا خاضعًا أمام ترامب وأى ترامب يبعثه لوبي الصهاينة من البيت الأبيض!

القدس ضاعت فعليًا منذ عهد بعيد، حتى قبل وعد بلفور الحقير منذ 100 عام، القدس ضاعت قبل ذلك، ضاعت مع ضياع الحرية في العالم الإسلامي والغطرسة تحت اسم الخليفة أو الوالى أو السلطان أو حتى المملوك، ضاعت منذ اغتصب معاوية السلطة قهرًا بالسيف ووجد تجار دين يفتون له بأحقية الحاكم المتغلب أو الغاصب بقهر غيره مادام يملك القوة، القدس ضاعت منذ ضاعت أسس العقيدة التي جعلت حرية الإنسان أساس الكون وجعلت العدل أساسًا راسخًا للملك.. لمن الملك اليوم؟ بالقطع ليس لنا، لا ملك اليوم لعربي أو مسلم لأنه لا يعرف العدل ولا يمارسه، لكنه فقط يتغنى به ويطرب لمنافقي السلطة عندما يلصقونه به في كل مناسبة.

ضاعت القدس يا صديقى منذ جعلنا منا الحاكم شبه إله في العالم العربى والإسلامى، مع أن الإسلام دين توحيد ووحدانية، أشركنا كل من له سلطان، حتى تقاذفتنا القمم كدمى بلهاء لا تعرف لها وجهة.. القدس ليست أهم من هويتنا ولا حريتنا، القدس ليست أهم من العدل، القدس ليست أكثر قداسة من دم الإنسان.. تذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة علمنا أن زوال الكعبة وهدمها أهون عند الله من دم امرئ مسلم.. ولو كان بيننا اليوم لقال من دم أي إنسان في هذا العالم.. ابكوا كما تشاءون لكن تذكروا أن القدس لن تعود ويحترم العالم مقدساتكم قبل أن تحترموا أنفسكم وتقدسوا أولا العدل والحرية.
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية