رئيس التحرير
عصام كامل

محمود حافظ يكتب: ضمير الحق وسيف العدل

فيتو

ما الفرق بين الحق والعدل ؟

هل حاولت أن تسأل نفسك يومًا ما هذا السؤال، هل بحثت حتى ولو على سبيل المعرفة أو الفضول؟ في الحقيقة هناك حكمة تقول: «أن كل حق عدل ولكن ليس كل عدل حق !»


توجد وقائع عديدة في تاريخ الإنسانية، انتصر فيها العدل ولم ينتصر فيها الحق، وهناك قضاة حكموا بالأدلة والبراهين التي أمامهم، وأقاموا العدل لكن من داخلهم كانوا يتألمون؛ لأنهم حكموا بقانون أعمى يستند إلى معطيات ولم يحكموا بالحق!! لذلك هناك مقولة شهيرة لدى رجال الشريعة والقانون اسمها «الرحمة فوق القانون»؛ لأن الرحمة هي خُلق إنساني والقانون غايته تطبيق «العدالة» التي هي في الأصل مفهوم إنساني وأخلاقي وبالطبع لا يجب أن تتعارض مع الرحمة ولا القيم الأخلاقية.

هناك في الولايات المتحدة الأمريكية قاض ذائع الصيت يدعى «فرانك كابريو» اشتهر بمجموعة من الحالات الإنسانيه بفضل برنامج تليفزيوني يبث جلسات الحكم من “محكمة بروفيدانس” الأمريكية، منها رحمته في محاكمة لاجئ سوري يدعى ”سيف” في الثّمانين من العمر متهم بمخالفة تتعلق بركن سيارة في غير مكانها، المسن شرح للقاضي عذره في ارتكاب المخالفة، وقال: «إنه ركن السيارة قرب المتجر وذهب لإحضار العشاء، ولم يتجاوز الأمر عشر دقائق، ولدى عودته وجد على السيارة مخالفة بقيمة 30 دولار»، ثم طلب من القاضي الأمريكي مستنجدًا: «أنا بحاجة إلى المساعدة، فأنا من دمشق من سوريا».

وببعض الكلمات المتعثرة المؤثرة، أضاف الدمشقي: «نحن نحتاج للسلام من الله، الحرب شريرة وقاسية، وأنا أريد السّلام لكل النّاس»، فسأله القاضي: «ما الذي تريدني أن أفعله؟» قال الدمشقى: «أحتاج مساعدتك لإزالة المخالفة وكذلك أريد المساعدة لبلدي ولكل أبنائه لأنّ كلّ شيء مهدّم… الكنائس والمساجد والمدارس والمخابز، لا يوجد كهرباء… أريد المساعدة لتحقيق الحرّيّة لكلّ أبناء بلدي»، فما كان من القاضي الأمريكي إلا أن أسقط الدعوى عن المُسن الدمشقي، وأعفاه من دفع المخالفة. وقال له في النهاية: «لقد أحسنت صنعا».

ألقى أحد الضباط القبض على سيدة تدعى «هيلين» أثناء سرقتها أحد المحال التجارية الكبرى بالولايات المتحدة، وأثناء إجراء التحقيق معها قالت بصوت حزين : «إني جائعة وأبنائي لم يأكلوا من يومين، كان معي دولارًا واحدًا دخلت لشراء بيض وجدته بخمسة دولارات، وجميع الأطعمة هكذا فماذا أفعل وأنا أسمع صراخ أطفالي من الجوع؟!.. فسرقت بيضتين لسد جوعهم»، فتبددت صرامة الضابط وتحولت إلى رحمة وعطاء، فأطلق سراحها وقام بشراء ما تحتاجه تلك السيدة وأطفالها الرضع، فهذا الضابط اتبع الرحمة والحق، قبل العدل، وسار وراء روح وسماحة القانون.

لذلك فإن تطبيق العدالة الاجتماعية وإعطاء كل ذي حقًا حقه من أهم دعائم السعادة للشعوب، وأفضل ما ينشده البشر في حياتهم هو أن يطمئنوا على حقوقهم وممتلكاتهم، وأن يستقر العدل فيما بينهم، فإذا لم يستقر العدل بينهم فلا يُعرف على وجه الأرض شيء يبعث على الشقاء والدّمار وضياع الهدوء والسلام بين الناس أكثر من سلب الحقوق و اغتصابها.

خلاصة القول أن للعدل أوجه كثيرة ومتعددة و قد يتغير في القضية الواحدة طبقًا لتغير الأدلة والبراهين التي تحاول أن تثبته، أما الحق فليس له إلا وجه واحد معلوم فهو لا يحتاج إثبات ولا يحتاج برهان أو دليل هو فقط يحتاج إلى «الضمير».
Advertisements
الجريدة الرسمية