رئيس التحرير
عصام كامل

«القدسُ».. لنْ تحرّرَها الطيرُ الأبابيلُ


يا عربُ.. اعلمواْ أنَّ الطيرَ الأبابيلَ لنْ تسقطَ من السماءِ على أعدائكم مُجددًا، ولنْ تصرعَ السماءُ "أبرهةَ" مجددًا، ولنْ تقضي على الفيلَةِ مُجددًا، لنْ يحدثَ شيء من كلِّ هذا، فقدْ مضى زمنُ المعجزاتِ، وأدبرَ عصرُ الأساطيرِ. "أبرهة" وأعوانُه وأفيالُه باقون، يفعلونَ بكمْ وفيكم الأفاعيلَ، يُمثّلونَ بأجسادِ أوطانِكم، يستنزفونَ ثرواتِ بلادِكم، يصنعونَ الفوضى، يثيرون الخرابَ، ونحنُ صامتونَ أو خاضعونَ أو خانعونَ أو متواطئون.. أو تنتظرُ حدوثَ المعجزةِ التي لنْ تأتي اليومَ أو غدًا أو بعدَ غدٍ.


ها هو العدوُ يتداعى عليكم كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتِها، نعم أنتْم كثيرٌ جدًا، تتجاوزون المليارَ نَسَمةٍ، لكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السيلِ، لقدْ نزعَ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وقذفَ في قلوبِكم الوهنَ وملأها ضعفًا وجُبنًا. تضيعُ القدسُ أو لا تضيعُ، فقد ضاعَ غيرُها، بلادُكم تحولتْ إلى ميادينَ للقتال بينَ أبناءِ الوطنِ الواحدِ والملَّةِ الواحدةِ والقبيلةِ الواحدةِ، تُخرّبون بلدانَكم بأيديكم وأيدي "أبرهة" وأعوانِه، فاعتبروا يا أولى الأبصارِ، لكنْ أينَ هم أولو الأبصار؟ فالحاكمُ العربي.. إما تنتهي حياتُه غدرًا أوْ سجنًا، ولا ثالثَ لهما، بينما "أبرهة" ورفاقُه يتداولون السلطةَ في سلاسةٍ وسلامٍ، وتجمعُهم الملتقياتُ، ويتصافحون أمامَ الكاميراتِ، ولا يتناصبون العداءَ، ولا يُضرمونَ النارَ في شعوبِهم، ولا يتواطئون على قتلِهم أو اقتتالِهم.

وأنت يا "نزارُ" لمْ تغيرْ كلماتُك الغاضبةُ منْ الواقع المريرِ شيئًا، فالكلماتُ والهتافاتُ لا قيمةَ لها ولا جدوى منها في زمنِ البطشِ والغطرسةِ والعدوانِ، فقطْ.. تثيرُ سخريةَ "أبرهة" واستهزاءَ رفاقه في أبراجِهم العاجيِّةِ، "مدينةُ الأنبياءِ"، يا "نزارُ"، لا تزالُ تذرفُ الدموعَ أنهارًا، "منارةُ الشرائعِ" يا "نزارُ" لا تزالُ محروقةَ الأصابعِ، ولا تزالُ أحجارُ شوارعِها حزينةً، ومآذنُها حزينةٌ، وكنائسُها حزينةٌ، القدسُ يا "نزارُ" صارتْ مدينةَ الأحزانِ والأوجاعِ والدموعِ والقتلِ والدمارِ.

القدس يا "نزارُ" هي عنوانُ الكرامةِ العربيةِ المهدورةِ، والنخوةِ العربيةِ الضائعةِ، "مدينةُ البتول".. يا "نزارُ" تلتفُّ بالسّوادِ، ولنْ يزهرَ فيها الليمونُ، ولنْ تفرحَ فيها السنابلُ الخضراءُ والزيتونُ، ولنْ تضحكَ بها العيونُ، ولن ترجعَ الحمائمُ المهاجرةُ إلى السقوفِ الطاهرةِ.. هلْ تعلمُ لماذا يا "نزارُ"؟ لأنَ العربَ يترقبونَ هطولَ الطيرِ الأبابيلِ على أبرهة وأفيالِه وأعوانِه، ولمْ يؤمنوا بعدُ بزوالِ زمنِ المعجزاتِ وعصرِ الأساطيرِ.
الجريدة الرسمية