رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الـ«فيفا» الأقوى نفوذًا من مجلس الأمن!


لم يخطر ببال "جول ريميه" حين دشن أول بطولة رسمية للمونديال في أوروجواي عام 1930، أن تتربع الساحرة المستديرة على عرش القلوب وتستحوذ على اهتمام الجماهير من كل الأجناس والأعراق- صغارًا وكبارًا، أغنياء وفقراء، حكامًا ومحكومين.. وما أحسب أن أكثر المتفائلين بمستقبل كرة القدم وقتها، كان يتوقع أن تصبح هذه اللعبة المجنونة صانعة سعادة، تلهب المشاعر وتؤلف بين القلوب وتفجر الدموع فرحًا بالفوز، أو حزنًا على الخسارة، وتخلق حالة غير مسبوقة من العشق والهوس.. وتصنع أساطير أمراء القلوب الذين تفوق شهرتهم وجماهيريتهم رؤساء دول وسياسيين كبارًا في بلادهم..


فمَنْ من مشجعي كرة القدم لا يعرف الساحر بيليه، أو اللاعب الفذ مارادونا، أو ميسي أو رونالدو أو محمد صلاح وغيرهم من أساطين الكرة.. لم يتصور أحد أن تذيب كرة القدم الفوارق بين البشر، وتعيد رسم خارطة العالم بمعيار آخر غير القوة العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية.. فتكبر في منافساتها الحامية دول صغرى وتتضاءل دول كبرى.. ويصبح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أقوى نفوذًا على الدول من الأمم المتحدة، وحتى مجلس الأمن ذاته الذي فشل في حل المشكلات والمنازعات والصراعات بين الدول الأعضاء، رغم ما شاب أداءه من فساد تورط فيه رئيسه السابق السويسري جوزيف بلاتر الذي تلقى ومعاونوه رشوة مقابل منح حق تنظيم بطولة كأس العالم لدول بعينها وعلى رأسها قطر؛ وهو ما أفضى إلى إقالته في فضيحة مدوية، ثم خلفه في المنصب السويسري جياني إنفاتينو، الأمين العام للاتحاد الأوروبي لكرة القدم سابقًا، والذي حاول تصحيح مسار الـ«فيفا» وإعادته إلى ما كان عليه من قوة ونفوذ يجمع الشعوب ويفرض كلمته على الحكومات.

ولولا كرة القدم ومنافساتها العجيبة ما سمعنا بدول صغيرة مثل الأوروجواي تلك المستعمرة الإسبانية الصغيرة القابعة في أقصى غرب أمريكا اللاتينية، فإذا بها تتحول إلى قبلة لعشاق الساحرة المستديرة، ومحط أنظار العالم كله في مطلع أربعينيات القرن الماضي، حين أسند إليها الـ«فيفا» تنظيم أول بطولة لكأس العالم، ورغم مخاطر وصعوبات الوصول إليها، فقد وجدت الوفود المشاركة في تلك البطولة ما يستحق المعاناة والمخاطرة..

وهكذا تحولت الصراعات بين الدول من المدافع والبنادق إلى العقول والأقدام داخل المستطيل الأخضر، ووجدت الشعوب الصغيرة فرصة لتناطح الدول الكبرى وتنازلها منازلة الند للند، وربما انتصرت الأولى بفضل ما يتوفر من عدالة ومساواة لا تتوفران في ساحة السياسة والحروب.. وهو ما أتاح الفرصة للشعوب المغلوبة على أمرها أن تنفس عن نفسها من الكبت والشعور بالظلم وعدم المساواة جراء ما مارسته عليها تلك الدول وغيرها، من استغلال وتسلط وتجبر في حقب مسابقة وربما لا تزال تعاني حتى أيامنا هذه.
Advertisements
الجريدة الرسمية