رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«في طريق البحث عن الأهل».. فلسطيني يتسلق «الجدار العازل» لدخول القدس.. (صور)

فيتو

أسامة خليل، شاب فلسطيني في العقد الثالث من عمره، أفضى سنوات طفولته وشبابه داخل جدران القدس المحتلة وأزقتها ومقاهيها، في ليلة وضحاها قبل ثلاث سنوات تم منعه من دخول القدس، وبات ضروريًا عليه أن يحرك حياته من القدس إلى رام الله، وأن يعيش غريبًا في حضن الوطن.


في أعقاب إعلان دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام، نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة وإعلانها عاصمة للكيان الصهيوني، انطلقت تظاهرات واعتصامات في مختلف أنحاء القدس تنديدًا ورفضًا للقرار وتمهيدًا لانتفاضة ثالثة ستأكل الأخضر واليابس.

بنبرة غضب واضحة على صوته يصرخ: «القرار لن يثنينا عن الأقصى ولن يبعدنا عنها، قرار ترامب لن يهزم قرار الله».

يجلس «خليل» داخل منزله الكائن في الضفة الغربية، تحديدا مدينة رام الله، يشاهد نشرات الأخبار لمتابعة مجريات الأمور على الأرض في القدس المحتلة، تارة ينظر إلى شاشة التلفاز وتارة إلى شاشة هاتفه المحمول، يتطلع بقلبه قبل عقله لكل ما يأتي من القدس، فهناك يترك أولاد عمومته وأصدقاء طفولة مُنع عنهم رغما عنه والسبب لـ«دواعٍ أمنية».



يظهر عبر شاشة هاتفه الخاص صفحة لإحدى التجمعات داخل القدس، تحمل أخبارا صادمة: «ابن عمي اتصاب في التظاهرات بطلق مطاطي في رأسه، جلست برهة لاستيعاب الأمر، باغتتني زوجة عمي باتصال هاتفي: «بشار اتصاب وما نعرفش عنه حاجة». 

دارت بي جدران المنزل، ماذا أنا بفاعل، الوضع شديد الخطورة في الوقت الحالي، والتسلل عبر الجدار العازل محاط بالمخاطر والصعوبات.

عقارب الساعة تشير إلى التاسعة مساء، يشد أسامة الرحال إلى القدس المحتلة والتي تبعد 15 كيلو مترا عن منزله، يجري عددا من الاتصالات في طريقه إلى هناك، يتوصل إلى رقم أحد المهربين، ليأمن له مساحة لأن يجتاز الجدار الإلكتروني.

يبلغ ارتفاع الجدار «العنصري» حسبما يصفه الفلسطينيون نحو ثمانية أمتار، يلتف حول مدينة القدس من كافة الجهات، «حولها إلى ثكنة عسكرية، فهو جدار شديد المراقبة، لا يمكن اختراقه بسهولة، وهناك عدد من البوابات الإلكترونية يقف عليها ضباط مدججون بالسلاح من الكيان الصهيوني».



بعد مرور ما يقرب من 25 دقيقة يصل «خليل» إلى نقطة الالتقاء، مقهى داخل أحد الأزقة، يقتاده أحد المهربين بجلباب فوقه جاكت متلحفا بشال فلسطين، يتبادلان الحديث حول المهمة الصعبة التي ينوي الشاب الفلسطيني القيام بها، يطالبه المهرب بخفض صوته، يتلفت يمينًا ويسارًا، يأخذه إلى ركن بعيد في المقهى، لا تتحدث بتلك الأريحية مرة أخرى، «الحيطان لها ودان».

يطلب منه «50 شيكل» - عملة الكيان الصهيوني – يطالبه بالانتظار حتى ينتصف الليل، يبلغه أن ابن عمه أصيب في التظاهرات ويجب عليه أن يتسلل سريعا، يرفض المهرب طلبه: «الوضع الأمني شديد الحرج ولا بد من الانتظار حتى يعم الظلام».



ينتصف الليل، يتجمع عدد من الشباب ملتحفين بالشال الفلسطيني، يطالبون «خليل» بالقدوم معهم، عند إحدى النقاط يتوقفون أمام «سُلم خشبي» يطرحونه على الجدار العازل، يطالبونه بالصعود إلى الأعلى والتسلل إلى الجهة الأخرى: «ستجد في الناحية الأخرى حبلا طويلا يصل بك إلى الأرض عليك أن تتشبث به جيدا حتى لا تقع».



الخوف والقلق يسيطر على أسامة، اعتاد في المرات التي تسلل فيها أن يمر عبر أتوبيس سياحي يجلس مثله مثل الأغراب ينتظر مروره من على إحدى نقاط التفتيش، لكن اليوم الوضع مختلف قوات الاحتلال تفحص كل المارين ولا يسمحون لمن لا يملك تصريح دخول بالاقتراب سنتيمترات من البوابة الإلكترونية.

يصعد «أسامة» السلم، يصل إلى نهايته، ينظر في لقطة أخيرة إلى خارج القدس تخالجه مشاعر مختلفة خوف وقلق واضطراب، لكن عينيه متشبثة بأمل في أن يجد ابن عمه.

تعتصر كفيه «الحبل» الواصل من أعلى السور إلى أسفله، تتسرب الدماء، يكتشف أن دماءه ليست الأولى التي تنزف على «الحبل» إذ تحول لونه إلى لون غامق من آثار الدماء المتناثرة على طوله.

ا

فور أن ينجح في الهبوط على الأرض، يجد سيارة «ملاكي» يطالبه قائدها بأن يدخلها سريعا وأن يجلس دون أن يهمس، عشر دقائق مرت عليه والعرق رغم أجواء الشتاء القارسة يتصبب منه، الآن يصل إلى داخل القدس، الآن هو في أمان بشكل جزئي، لتبدأ رحلة بحثه عن ابن عمه المصاب.
Advertisements
الجريدة الرسمية