رئيس التحرير
عصام كامل

حين هوت القدس.. في قلوب الدنيا استوطنت الحرب!


الأرض بتتكلم عربي
وقول الله
أن الفجر لمن صلاة
ما تطولش معاك الآه
الأرض..الأرض.. الأرض. الأرض بتتكلم عربي.
الأرض بتتكلم عربي ومن حطين.

رد على قدس فلسطين.
أصلك ميه وأصلك طين. الأرض..الأرض.. الأرض. الأرض.. بتتكلم عربي.

على الرغم من كل حالة الإحباط التي تسود الشارع العربي، تجاه الأمل في استعادة الأقصى، وعودة الكيان الصهيوني ليحتل مكانته الطبيعية، كونه العدو الأول المغتصب لفلسطين، وذلك بعد نجاح الكثير من المحاولات لجعل إيران لتكون العدو الأول للأمة العربية، وهو ما لا نتفق معه مطلقا، لأن الكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا وأذنابها هم العدو الأول لنا، وهذا ما ظهر خلال الأيام الماضية، بمجرد إعلان ترامب الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، اشتعل العالم العربي، بعيدا عن الشجب والإدانة من الحكام العرب، إلا أن الشعوب خرجت لتعلن الرفض الكامل لقرار الأمريكي المتغطرس، خرجت في جميع العواصم العربية، وفي قلب القدس تفجرت الأرض بأبطال يتحدون القرار والمحتل يذكرنا بانتفاضة الأقصى، والانتفاضة الأولى التي أطلق عليها انتفاضة الحجارة التي كتب يومها الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودي:

طلع مش مهم السلاح... طلع يغني عنه الحجر
طلع مش عويص الكفاح... ما دام فيه إرادة وبشر
طلع مش بعيد الصباح.... ومستني.. خلف الشجر
ويا بني صحتنا ليه؟ صدقنا ما نسينا
صدقنا مراكبنا مارسيت في مارسينا
ونسينا جرح الجولان والدم في سينا
جاي تبتدي القصة من الأول.. تقول.."اصحوا"
وانت مفروض تكون أول قتيل فينا؟!

ليس صحيحا أن الشعر والأغاني هراء، لا قيمة له، بعد نكسة يونيو 1967، وحالة الانكسار التي أصابت الوطن العربي، وتهاوت معها الكثير من الأحلام العروبية أبرزها الوحدة وأننا قوة، الذي جمع القلوب مرة أخرى الكلمة، فؤاد حداد، سيد حجاب، أمل دنقل، الأبنودي، عبد الوهاب محمد، أحمد شفيق كامل، وأصوات أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، وفايزة أحمد، وشادية، بهؤلاء وغيرهم تقدموا الصفوف لرفع معنويات الشعب العربي..

وأذكر هنا قصيدة للشاعر الكبير نزار قباني ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب وشدت بها أم كلثوم، وهي الأغنية التي واكبت أهم حدث في تاريخنا ألا وهو انطلاقة الثورة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة فكانت مرآة للعصر الفدائي تقول هذه الأغنية التي منعت من إذاعتها أكثر من 40 عاما:

أصبحَ عندي الآنَ بندقية... إلى فلسطينَ خذوني معكم.. إلى ربي حزينةٍ كوجهِ مجدليّة.. إلى القبابِ الخضرِ... والحجارةِ النبيّة... عشرون عامًا.. وأنا. أبحثُ عن أرضٍ وعن هويّة.. أبحث عن بيتي الذي هناك.. عن وطني المحاط بالأسلاك... أبحث عن طفولتي.. وعن رفاق حارتي.. عن كتبي.. عن صوري.. عن كل ركنٍ دافئٍ.. وكل مزهرية.. أصبح عندي الآن بندقية.. إلى فلسطين خذوني معكم.

يا أيها الرجال.. أريد أن أعيش أو أموت كالرجال.. أريد.. أن أنبت في ترابها.. زيتونةً، أو حقل برتقال.. أو زهرةً شذيه.. قولوا.. لمن يسأل عن قضيتي.. بارودتي.. صارت هي القضية.. أصبح عندي الآن بندقية.. أصبحت في قائمة الثوار.. أفترش الأشواك والغبار... وألبس المنيه.. مشيئة الأقدار لا تردني.. أنا الذي أغير الأقدار
يا أيها الثوار.. في القدس، في الخليل،
في بيسان، في الأغوار.. في بيت لحمٍ، حيث كنتم أيها الأحرار
تقدموا.. تقدموا.. فقصة السلام مسرحية..
والعدل مسرحية.. إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ يمر من فوهة بندقية.

هذا لا يعني أن الجميع أعطى القضية الفلسطينية حقها، أولا الانقسام الفلسطينى أول الجرائم التي حدثت في حق القضية، ربما من عشر سنوات والانقسام الحاد بين السلطة وحماس التي تتلقى التعليمات من خارج غزة، بل إن الخلاف لم يكن خلافا وصل ليكون خلافا مسلحا، وأصبح هناك حكومتين ورئيسين، وأصبح للسلطة مؤيدين وأشياع، وحماس لها من يؤيدها ووصلت قرارات حماس لدرجة أنها أعطت لتركيا وقطر زمام الأمور وكونها تحت راية الإخوان، وقد خلق هذا الوضع تفتت في إمكانية أن يكون هناك موقفا عربيا موحدا في القضية الفلسطينية، ومن هنا فإن انصهار القوى الفلسطينية معا ليكونوا يدا واحدة أمر مهما وبدونه لا أمل في تحقيق شيء للفلسطينيين..

الأمر الثاني تسببت الأحداث العربية في تفتيت قوتها، السعودية مشتبكة في اليمن وسوريا وغيرهم، العراق خارج المنظومة العربية تعاني من بقايا داعش وتمرد الاكراد، ودول الخليج بفضل سوء التصرف التآمري القطري الداعم للإرهاب، تمزق الموقف الخليجي ومصر أصبحت تحارب في جميع الجبهات، الشرق الكيان الصهيوني والإرهاب سيناء الذي لا يمكن تبرئة حماس من دعمها له، وتواجه مصر الإرهاب القادم من الحدود الليبية، وللأسف من الجنوب من السودان، وليبيا خارج الخدمة الآن لظروفها الصعبة، إذن لا بد أن البداية من توحد القرار الفلسطيني.

هل المظاهرات التي انطلقت بعد قرار الرئيس الأمريكي يمكن أن يكون لها نتائج؟ نعم.. وإن كانت كما نحلم ونرغب ولكن نتيجة لشعور الأمريكان، بأن الشعوب لا تزال حية ولن تتهاون في سبيل القدس والقضية الفلسطينية، فقد صرح وزير الخارجية الأمريكية بتصريحات وإن كانت غير مقنعة وحيلة لتهدئة الأمور لكنها مؤشر أن المظاهرات والغضب الشعبي مؤثر، قال: إن نقل السفارة ليس الآن، ربما العام القادم أو الذي بعده، أما وضع القدس حسب ما يتفق عليه الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي).

ونحن نرد عليه بكلمات الأخوان رحباني:
الغضب الساطع آتٍ سأمرُّ على الأحزان.. من كل طريق آتٍ بجياد الرهبة آتٍ.. وكوجه الله الغامر آتٍ آتٍ آتٍ... لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلّي... سأدقّ على الأبواب وسأفتحها الأبواب.. 

وأيضا سنقول: الغضب الساطع آتٍ بجياد الرهبة آت.. وسيهزم وجه القوّة.... البيت لنا والقدس لنا.
وعلى الجميع أن يدرك كما قال الأخوان رحباني: حين هوت مدينة القدس.. تراجع الحبّ.. وفي قلوب الدنيا استوطنت الحرب!
وأما الأخوة الفلسطينيين أذكرهم بآخر كلمات للشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي: الحل من جوه.. الحل من جوه!
الجريدة الرسمية