رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حكاية أول شهيد في أحداث القدس.. رحل وعلم فلسطين بين أحضانه

فيتو

كانت الشهادة تداعب أنفاسه حينما سارع "محمود المصري" إلى هاتفه المحمول.. تصفحه ليتابع آخر التطورات بشأن قضية أرقت مضجعه منذ كان في السابعة من عمره، فتح حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وألقى بتلك العبارات، نازعته قوى داخلية أن سجل لحظاتك الأخيرة هاهنا، ليشهد كل من يعبر منها أنك تمنيت وأخلصت في أمنيتك، وكأن جنودا كانوا مصغيي السمع، ينتظرون تلك اللحظة، لتمر ساعات قليلة، ويسقط الشاب "الغزاوي" ليسجل بدمه على حجارة كان ممسكا بها لحظة السقوط.. "الشهيد رقم واحد في أحداث القدس".  


محمود منذ أن كان في المدرسة الابتدائية وهو لا يترك تظاهرة أو مسيرة مناهضة للاحتلال بقطاع غزة إلا ومشي فيها، كان يحلم منذ أن كان عمره 7 سنوات أنه سوف يموت شهيدا، ومات بعمر الثلاثين شهيدا كما تمنى".

صديق طفولته "لؤي عمر"، منذ أن سمع بسقوط صديقه شهيدًا في مسقط رأسيهما ببلدة خان يونس شرقي القطاع، تراءى أمام ناظره ماضِ مر عليه أكثر من عشرين عاما، ويتلخص في تلك المشاهد الضبابية لمسيرات كانت يتقدمها محمود المصري.

طفل الحجارة والسلام
"محمود بحياته ما رأى يوم حلو، طول عمره شقيان"، بهذه الكلمات يبدأ النصف الآخر للشهيد والنسخة المتبقية من البيت الغزاوي المنتفض طوال الوقت، توأمه المقيم بدولة السويد منذ أربع سنوات، الحديث عن أخيه الذي زف مساء أمس إلى جنته التي طالما حلم بها وتغنى لها، حينما لم يجدها على الأرض التي عانى فوقها الويلات من سجن واعتقال وتعذيب على يد مليشيات مسلحة ليبية.

يقول أحمد شقيق الشهيد: "أخي ولد عام 1988 بمدينة خان يونس شرق قطاع غزة، درس في مدارس وكالة الغوث بمرحلتي الإعدادية والثانوية، ثم عمل بعد ذلك في الوكالة"، لتكون الوكالة هي بوابته للانضمام لحركة فتح الفلسطينية، ولكن نفسه كانت تواقة دائما نحو الحرية والتغيير، اعتنق الفكر الإصلاحي بالحركة، وتم إيقافه عام 2005، فقرر السفر إلى ليبيا والعمل بها بعد أن ضاقت به الأرض، وبات بلا عمل، "سافر إلى ليبيا عام 2012 لكن تم تعذيبه على أيدي عصابات الجماعات الإسلامية، فعاد إلى أرض الوطن ثانية".  

محمود "طفل الحجارة" الذي شارك في انتفاضة الأقصى عام 2000 حينما كان في الثالثة عشرة من عمره، وتقدم صفوف الأطفال القابضين على "حجارة سجيل"، كما يحلو لهم تسميتها، كما شارك هو وتوأمه أحمد في أحداث عام 2004 وأصيب أحمد بطلق ناري في ركبته ما زال متأثرا به حتى اليوم. يستمر في شق قنوات الأمل بصدره، يحمل حقيبة سفره وحبه لوطنه القابض على قلبه، وينتقل إلى ميناء الإسكندرية بمصر للسفر إلى الخارج، لكن يتم إيقافه مرة أخرى عام 2014 وحبسه 40 يوما، ليعود بعدها إلى غزة من جديد، وكأنها تأبى أن يتركها ويرحل مهما كانت الظروف، لتكون هي الشاهدة الوحيدة على يوم خلوده!  

تفاصيل لحظة الاستشهاد
انتهت شعائر صلاة الجمعة من مسجد بلدة خان يونس، أُعلن النفير العام أن قوموا لقدسكم يرحمكم الله، حمل محمود علم فلسطين متجها نحو حدود الأراضي، وكأنه ينادي على القدس"أنا بجانبك، على الجانب الآخر أحاول استردادك"، طلقات الرصاص تتسارع نحوه هو وأقرانه، لكنهم ما زالوا يتقدمون نحو الحدود المحتلة، الرصاص الأهوج يستقر في مؤخرة رأس محمود، يمسك برأسه يتحسس الدم الساخن المنساب خلفه، بينما علم فلسطين ما زال في اليد الأخرى، "من أسعفه قال إنه ظل يردد الشهادتين حتى سقط العلم من يده وهو يقول لأصدقائه سامحوني"، يستطرد شقيقه قائلا: "هاتفني قبل التظاهرة وقال لي تعال الوضع صعب ولابد أن تشترك معنا في هذه المسيرات، فأخبرته أني بعيد جدا والسفر لغزة شبه مستحيل".  

معابر مغلقة
يتابع أحمد شقيق الشهيد: "قبل وفاته بيوم واحد كان يحدثني على الهاتف يريد أن يراني ولكني كنت أخبره أن المعابر مغلقة والعودة أمرها صعب، "يا ألله، كان حاسس حاله مارح يشوفني مرة ثانية". وكحال كل فلسطيني رأى قضيته تباع بأبخس الأثمان أمام عينيه، لا يقدر هو سوى على المقاومة والتظاهر، كان يحلم أن يشهد يوم يتضامن فيه العرب والمسلمون وينتفضون لنصرة القدس والأراضي الفلسطينية، لكن الموت كان أقرب إلى عينيه من هذا الحلم، "كان دايما يقولي نفسي أعيش يا أخي حتى أشوف القدس ما بها صهيوني واحد، لكنه أمر الله".
Advertisements
الجريدة الرسمية