رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في حضرة صاحب «عُمر في المنفى».. كيف أصبحت القدس عاصمة للكيان الصهيوني؟

فيتو

على سرعتها، كانت الخطوات تتثاقل؛ كل قدم تمتد إلى جانب الأخرى تقدم احتجاجا للتوقف قليلا والتدبر، ما الذي فعله ترامب، وكيف يمكن الرد عليه؟ هكذا كانت ترن الكلمات بداخلي وأنا في طريقي لتلقي الرد على أسئلة، ظلت طويلا تحدث صوتا هائلا برأسي دون مضمون واضح، هذا «الأمريكي» المتصلف، كيف واتته الجرأة على سحق مشاعر العالم شرقه وغربه، ومّن يقوى ظهره ليتخذ مثل هذا القرار؟


لحظات مرت كالدهر، صعدت السلم الدوار، القائم على طراز ينتمي إلى القاهرة الخديوية، ويسّكن في طابقه الثالث أحد أهم رموز الحركة الفلسطينية على مدار تاريخها؛ صعدت ما يقرب من 60 سِلمة، بعدها دخلت إلى زاوية مُعتّقة بالكتب في شقة تاريخية، حّط الرحال فيها قبل نصف قرن، تحديدا منذ عام 1971، وقبل أن يرحب بنا سريعا سألته: قبل أي شي، ما تعقيبك على قرار ترامب وما سر توقيته؟

 
                                               عبد القادر ياسين

بهدوء وحكمة وربما قناعات مسبقة، رد عبد القادر ياسين، الباحث والمؤرخ الفلسطيني الكبير، الذي لا يتكلف كثيرا في بيته خلال حواراته مع الصحافة والإعلام، بجلباب رمادي بسيط، وابتسامة تحاول التغلب على قتامة المستقبل قال: كما ترى؛ العرب يتقاتلون، دول تتآكل وتتفتت، ودول أخرى تفترس شقيقات لها، وترامب هذا رجل ينتمي لفئة البلطجية، واستمرأ كثيرا الافتراء على الحق، وهو يريد إعادة هيبة الولايات المتحدة بقوة الذراع وليس غيره.



تتشح المدينة المقدسة بالسواد، إلا من أضواء حزينة تزين قبة الصخرة وما حوله، جميع أبنائها في ثورة غضب لا تهدأ، لا أحد يصدق حتى الآن أن الرئيس الأمريكي أقدم على هذه الخطوة النازية، ضرب جدارا محميا وهدمه بقدمه، وأعطي القدس المحتلة على طبق من ذهب لإسرائيل، تنكر الرجل القوقازي لحقوق سكان البلاد الأصليين، المتجذرين في أرضهم، وانحاز إلى جانب المهاجرين «البرابرة» إلى أرض الأنبياء.



تبدو هندسة اتخاذ القرارات الرئاسية لترامب مخططة بعناية، مارست إسرائيل في عامها الأخير ضغوطا شديدة على الإدارة الأمريكية للاعتراف بالقدس عاصمة لها، ونقل سفارة بلاد العم سام إليها؛ هكذا قالت صحيفة يديعوت أحرونوت، ذائعة الصيت، وعزز صدقيتها وكالة «رويترز» التي كشفت عن حزمة من الضغوط على ترامب، أهمها كانت حملة قادتها منظمة «My Faith Votes»، التي يترأسها مايك هاكبي، حاكم ولاية أركانسو السابق، ووالد المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة هاكبي ساندرز.

كيف ترى ردود الأفعال، وما الذي بجعبة العرب للرد؟ سألت المؤرخ الفلسطيني الذي جمع تجربته الثرية عن دراسة تاريخ فلسطين والمشاركة في النضال الوطني في كتاب حمل اسم "عُمر فى المنفى"، رد: أنا غير واثق في طول نفس العرب على إحياء رمال غضب القضية كثيرا وقال: "التداعيات ستنحصر في حدود مظاهرة هنا ومظاهرة هناك.. مبادرة ترامب قد تؤدي إلى إثارة عنف، لكن كل بلد ملهي بقضاياه، والوطن العربي بأكمله غارق في مشاكله الداخلية".



قاطعته، ما الذي يجعلك واثقا هكذا؟ قال: "عندما كنا محاصرين في غزة، نصحنا الراحل العقيد معمر القذافي الرئيس الليبي السابق، بأن نموت فهو أفضل لنا برأيه وأفضل للجميع؛ ولك أن تتخيل وقتها، كان الوطن العربي بعيدا عن القتال، وكان موحدا- حتى ولو في الظاهر-، وحالة التفتت العربي الراهنة غير المسبوقة لم تكن حّلت بالأمة العربية، أضف إلى ذلك أن السلطة الفلسطينية الحالية، يُصر رئيسها على العودة للمفاوضات من البوابة الأمريكية، وكل ردود أفعاله تقول «مكانش العشم»، وكل هذه الشواهد كفيلة بتكوين رأي مسبق عما يحدث وسيحدث!



لم أحدثه عن الفصائل الفلسطينية المسلحة، أعرف من علاقتي به أنه لا يراها على الأرض، ويعتبر دورها منحصرا فقط في إلقاء المواعظ على المهزومين، هي تخلت عن دورها منذ زمن من وجهة نظره، وبالتالي السؤال عنها لا محل له من الإعراب؛ من إذن ترى في رد فعله ما يثلج صدور العرب والمسلمين؟.. سألت المفكر الفلسطيني بعدما تناول رشفات من مشروب «الينسون» فرد مبتسما: شيخ الأزهر؛ رد فعله كان أفضل بكثير من حكام عرب صمتوا أو اكتفوا بالشجب والإدانة، «الطيب» ناضج دينيا وسياسيا، لذا أكد للعالم وسط ثنايا خطاب متزن ومحترف، أن تداعيات قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سيطول أثره وتداعياته الغرب قبل الشرق.

بمناسبة الحديث عن العرب، ألا تغير رؤيتك المتشائمة دائما تجاه إمكانية توحد العرب، وتعتبر مثل هذا القرار كفيلا بإنهاء الخلافات؟ سألت «ياسين» لاختتم لقائي به، وقد بدا لي الرد من عينيه، وهو يرتاح بظهره لمسند الكرسي، قال المفكر الفلسطيني مستسلما لغرباله الخفي الذي كان ومازال قادرا على الفرز مسبقا: وهل هناك رأي عربي موحد في أي قضية من القضايا؟.. كلها حبر على ورق.
 
Advertisements
الجريدة الرسمية