رئيس التحرير
عصام كامل

اغتيال الرئيس اليمني السابق.. دلالاته وتوقيته


أمس الأول 4 ديسمبر 2017، أُعلن عن مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بعد يومين من انتهاء تحالفه مع ميليشيات الحوثيين، بعد مرور 3 سنوات على هذا التحالف حارب فيها "صالح" مع الحوثيين النظام السياسي القائم والذي سلمه السلطة بمقتضى اتفاق مع السعودية، ليعود في فبراير 2014 ليحارب هذا النظام الشرعي بضراوة ترتب عليها خسائر كبيرة في صفوف المدنيين من أهل اليمن ومزيد من التجويع والفقر وانتشار الأمراض المعدية وتدمير البنية التحتية في اليمن.


صالح، رجل التناقضات على مدى فترة حكمه، والذي قلما ثبت في تحالفاته، ولكنه كان ينجح مع وراء إنهاء هذه التحالفات، ولكنه هذه المرة لم يخسر تحالفه مع الحوثيين ولكنه خسر حياته كلها، وهو ما يدعو إلى التساؤل لماذا خابت تقديرات علي عبدالله صالح هذه المرة؟

بداية، يجب التنويه إلى أن تصريحات الرئيس اليمني السابق جاءت بعد يوم واحد من إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يوم 1 ديسمبر 2017 أن الحوثيين لديهم الحق بالمشاركة في العملية السياسية في اليمن وليس السيطرة على الدولة فيما جدد تأييد السعودية للعملية السياسية في اليمن بإشراف الأمم المتحدة خلال مشاركته في أعمال منتدى روما للحوار المتوسطي.

وهو ما يمكن تفسيره بأنه محاولة لدغدغة مشاعر الحوثيين وإرسال رسالة سعودية واضحة بقبول سعودي للحوثيين في السلطة بعد أعوام من الحرب بينهما، فضلا عن عدم الحديث عن قوات صالح، مما يعني عدم وجود رغبة سعودية للتنسيق مع صالح الذي حارب ضدها في اليمن بعد أن كان حليفًا لها واتحد مع الحوثيين ومن ورائهم إيران للنيل من قوات التحالف العربي في اليمن والحيلولة دون تحقيق انتصار للتحالف على أرض اليمن.

الصحيح أن الساحة اليمنية مؤخرا شهدت توترات بين صالح والحوثيين، إلا أنها لم تصل إلى مرحلة القطيعة كما أعلن صالح في تصريحه المفاجئ، ولكن يمكن القول إن هذا التصريح لم يكن مفاجئًا كما اعتقد البعض لعدة أسباب منها:

أولا: وجود خلافات داخل تحالف صالح والحوثيين منذ شهور مما يمكن اعتبارها مرحلة تمهيد لقطيعة بين الجانبين إن آجلا أو عاجلا، مما يعني صعوبة استمرار هذا التحالف مما يدفع كلا الجانبين لتأمين نفسه من الآخر من خلال التعاون مع أطراف أخرى تضمن له البقاء في السلطة بشكل أو بآخر أو على الأقل تضمن له أمنه وبقاءه في اليمن.

ثانيا: إنه يمكن الاستنتاج من تصريح وزير الخارجية السعودي أن ثمة رسالة ما من السعوديين لتهدئة الأوضاع في اليمن، بما يضمن للسعودية أن تقود تسوية سياسية يكون لها اليد العليا فيها، وبالتالي من المتوقع أن يكون هناك رغبة لدى الحوثيين لتأمين وضعهم في السلطة وتأمينهم حتى لو جاء على حساب تحالفهم مع صالح الذي حدثت بينهما بالفعل خلافات يصعب العودة منها لتحالفهم السابق.

ثالثا: من المرجح أن صالح أدرك أن ثمة توافق ما حدث بين الحوثيين والسعوديين –إذا صح الاستنتاج- ومن ثم أراد صالح أن يقلب الطاولة على الجميع ويحول دون إتمام هذا الاتفاق قبل أن يضمن ترتيب وضعه في اليمن من خلال أي تسوية سياسية متوقعة، وبالتالي أراد أن يضع إسفينا بين السعودية والحوثيين بأن يحارب الأخيرة بجانب التحالف العربي.

رابعا: يصعب فصل ما يحدث في اليمن بعيدًا عن ما يحدث في الساحة السورية، فقد أعلنت المعارضة السورية التي تتخذ من السعودية مقرًا لها بأنها ترفض استمرار بشار الأسد في الحكم في اجتماع الرياض2، وهو ما أعقب اجتماع سوتشي في 22 نوفمبر 2017 بين روسيا وتركيا وإيران والذي كان من المفترض أن يتحدث عن التسوية السياسية في سوريا، وعكست تصريحات المعارضة من الرياض أن ما تم الاتفاق عليه في "سوتشي" لم يكن بالشكل الذي ترغبه السعودية بما يضمن لها نفوذًا في نظام الحكم القادم في سوريا.

خامسا: يمكن الربط بين التسوية في اليمن وتلك في سوريا، إذا ما كان الأمر مقتصرا على توزيع النفوذ بين السعودية وإيران في كلا الدولتين (اليمن وسوريا)، فقد يعكس تصريح الجبير أن السعودية لديها الاستعداد لتقبل الحوثيين في السلطة مقابل تقبل المعارضة السورية في سوريا في السلطة أيضًا، أو خروج للمعارضة وللحوثيين من السلطة مستقبلا مقابل عودة النفوذ الكامل للسعودية باليمن والنفوذ الإيراني في سوريا.

بناءً على ما تقدم، يمكن أن نعود إلى موقف صالح الأخير والذي دفع بالتحالف العربي بقيادة السعودية إلى الحرب مع الحوثيين بدلا من التنسيق السياسي معهم، وبالتالي يكون قد حال دون تحقيق ثقة بين الحوثيين والسعودية مرة ثانية، كما أنه أراد أن يشجع السعودية للاستمرار في الحرب ضد الحوثيين من خلال التحالف معه باعتباره يمتلك قوة فعلية من الجيش اليمني والحرس الجمهوري وبالتالي بمحاولة إقناع السعودية بتحقيق النصر على الحوثيين دون التسوية السياسية معه وتغيير الواقع على الأرض، وفرض السعودية لهذا الواقع ضد الحوثيين ومن ورائهم إيران.

ولكن بعد إعلان جماعة الحوثيين اغتيال صالح فقد ترتب على ذلك تجمع كل القوى في اليمن ضد الحوثيين والرغبة في الانتقام منهم ولفظهم من الحكم، وهنا فإن الطرف الذي كسب من موقف صالح هو الشعب اليمني الذي اصطف لمحاربة الحوثيين، فضلا عن سعيهم لتهدئة الأوضاع في اليمن.

فمن المتوقع أن تستمر الحرب ضد الحوثيين حتى إرهاق هذه الميليشيات ومنع أي إمداد خارجي لها، تمهيدًا لبدأ العملية السياسية في اليمن مرة ثانية بعد حسم هذه المعارك.

وأخيرًا يمكن القول، إن الوضع في اليمن يصعب حسمه عسكريا كما بدا واضحًا حتى الآن، كما يصعب حسمه سياسيا في فترة قصيرة، لأن ترتيبات ما بعد الحرب في اليمن مرتبطة بترتيب النفوذ في المنطقة فيما بعد الحرب في سوريا، كما أن الأمر لم يعد حسمه على المستوى الداخلي في البلدين ولكن على المستويين الإقليمي والدولي.
الجريدة الرسمية