رئيس التحرير
عصام كامل

حال الرسول الكريم


لازلنا نتنسم عبير ورياحين ذكرى المولد النبوي الشريف ولا زلنا نعايش نفحات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله من خلال سيرته الطيبة العطرة، وكنا قد تحدثنا عن بعض الجوانب الإنسانية النبيلة من حياته في مقالات سابقة، ونتحدث اليوم عن الجانب الخاص بحضرته وعلاقته بربه عز وجل وسنته الخاصة به، وحاله مع ربه ومولاه جل علاه، والذي جاء من خلال إجابته صلى الله عليه وسلم على سؤال الإمام علي كرم الله وجهه: "سأل الإمام علي بن أبي طالب النبي الكريم عن سنته وحاله مع ربه عزوجل، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: المعرفة رأس مالي والعقل اصل ديني والحب أساسي والشوق مركبي وذكر الله انيسي والثقة كنزي والحزن رفيقي والعلم سلاحي والصبر ردائي والرضا غنيمتي والفقر فخري والزهد حرفتي واليقين قوتي والصدق شفيعي والطاعة حسبي والجهاد خلقي وقرة عيني في الصلاة".


عزيزي القارئ في إطلالة سريعة نلقي الضوء على هذا الوصف على قدرنا المحدود وليس على قدر حضرته، فإنه لا يعرف حاله وقدره العظيم إلا ربه ومولاه جل علاه. لقد وصف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم سنته الخاصة به وحاله مع محبوبه عز وجل بسبع عشرة كلمة جمع من خلالها أصول وفروع علاقة العبد العارف بالله تعالى والمستكمل للإيمان.

فالأصول منها ستة وهي المعرفة والعقل والحب والعلم والصدق والجهاد والفروع منها الشوق والذكر والثقة والحزن والصبر والرضا والفقر واليقين والطاعة والزهد وجمع ذلك كله صلى الله عليه وسلم في قوله وقرة عيني في الصلاة.. هذا ولقد تحقق للنبي من المعرفة بالله تعالي ما لم يتحقق لأحد غيره من السادة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وإلي ذلك أشار حضرته بقوله: (والله إني أعرفكم بالله وأخشاكم له وأحفظكم لحدوده)..

ولقد أثمرت معرفته بربه تعالى بثمرة الإنس به عز وجل، وهو الذي أشار إليه بقوله وذكر الله أنيسي. ولما كان ذكر الله تعالى هو شغل النبي صلى الله عليه وسلم الشاغل ملأ الله تعالي قلبه الطاهر بالثقة والطمأنينة، وهو ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم في وصفه لحاله بقوله "والثقة كنزي"، ولما تناهت ثقته بربه تعالى وصل إلى كمال اليقين فكان اليقين مصدر قوته التي يتحمل بها ويحمل عليها كل ما يلقاه في سبيل أداء رسالته. 

هذا وفي قوله صلي الله عليه وسلم "والطاعة حسبي" إشارة إلى قيامه بموجبات العبودية كاملة وقيامه بما لله عليه وتركه ما له عند الله تعالى، موقننا بأن من كان الله همه كفاه الله ما أهمه هذا وفي قوله صلى الله عليه وسلم والفقر فخري إشارة إلى افتقاره إلى مولاه سبحانه وتعالى وعوزه إليه في كل شيء، ففي الافتقار إليه تعالى الغني الكامل والعز الدائم والفقر إلى الله شعار الصالحين، ومعلوم أن الله تعالى قد عرض الدنيا على النبي فأبي تعففا وزهدا. 

هذا، ولما كان للعلم من الفضل والمنزلة والمكانة أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله والعلم سلاحي. فبه يواجه الإنسان أعدائه في دنياه، النفس والشيطان والدنيا والجهل وبه تكون المعرفة والإنسان في رحلة حياته هو في معركة دائمة مع ظلمات النفس وعداوة الشيطان وفتن الدنيا، فلا بد له إن أراد السلامة أن يتسلح بالعلم، هذا ولما كان العقل أصل الفطرة ولم يخلق الله خلقا أكرم منه وبه الله تعالى يعطي ويحاسب وبه تصح العبادة والعمل، ومعلوم أنه لا عبادة إلا بالعلم ولا علم إلا بالعقل فهو الأصل في العلم والعبادة والمعرفة، لذا أشار عليه الصلاة والسلام إليه بأنه أصل دينه، وإذا سلم الأصل سلم ما يبنى عليه..

هذا وقد ظل عقله على نوره وفطرته ولم يخالطه هوى النفس لأن نفسه الكريمة طاهرة لا هوى لها إلا طاعة محبوبه عز وجل وذكره، هذا ولما كان الحب أساسه أي أساس العلاقة بربه تعالى كان الرضا غنيمته، وذلك لأن قسمته كانت بقدر وتقدير محبوبه عز وجل ولسان الحال يقول للمحبوب كل ما يأتي منك يا المحبوب يرضيني ويسعدني ويشجيني، ولما كان معرفة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بأن ما سوى الله باطل زهد في كل ما سوى الله، ولقد أشار إلى ذلك بقوله الزهد حرفتي، عزيزي القارئ نستكمل وصف حال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في المقال التالي بمشيئة الله تعالى.
الجريدة الرسمية