رئيس التحرير
عصام كامل

الكنيسة الأرثوذكسية: «نصلي من أجل النيل»

الكنيسة الأرثوذكسية
الكنيسة الأرثوذكسية

«الكنيسة الأرثوذكسية» باعتبارها إحدى مؤسسات الدولة- حسب وصف البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية-، ليست بعيدة عن الأزمة، بل في القلب منها، لما لها من علاقات متداخلة مع الكنيسة الإثيوبية، وبحكم تأثير الأخيرة في المجتمع هناك.


ورغم أن الكنيسة الإثيوبية تتبع الكنيسة المصرية روحيا فقط، منذ بداية الحكم الشيوعى، خاصة بعد أزمة دير السلطان الذي سحبت إسرائيل إدارته من مصر، وسلمته للكنيسة الإثيوبية، لكن البابا الراحل شنودة الثالث حاول جاهدا أن يحافظ على العلاقات بين الجانبين.

الكنيسة لعبة دورا كبيرا، ومثلت في أوقات كثيرة قوة ضغط ناعمة في الخلافات التي تقع بين البلدين، خصوصا الأزمات حول مياه النيل، والتي كان آخرها أزمة سد النهضة التي ما زالت مستمرة.

أزمة «سد النهضة»، فرضت مسئولية على الكنيسة، وتم طرح اسمها بقوة كوسيلة لحل الاشتباك بين البلدين، استنادا إلى العلاقات التاريخية، وهو ما دفع الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، إلى الاستنجاد بالبابا تواضروس الثاني، في اتصال هاتفي، للتدخل لوقف عملية بناء السد، مستغلا العلاقة الروحية التي تربط الكنيسة المصرية بالكنيسة الإثيوبية.

دور الكنيسة في الحاضر لم يختلف كثيرا عن السابق، فدائما ما كانت حاضرة في الأزمة، ففي عهد الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كان يعتبر الكنيسة واحدة من القوى الناعمة التي كان يحسن استغلالها، وأيضا البابا شنودة الثالث لعب دورا مهما في هذا الإطار.

البابا كيرلس السادس، تدخل أيضا لدى الإمبراطور هيلاسلاسي إمبراطور إثيوبيا الأسبق لحل أزمة متعلقة بمياه النيل أثناء حكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، لوجود روابط قوية بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، لكن الكنيسة الإثيوبية انفصلت عن الكنيسة المصرية إداريا عام 1959 بسبب خلاف على تعيين بطريرك مصري على رأس الكنيسة الإثيوبية، وكانت أديس أبابا ترغب في أن يكون إثيوبيا.

البابا الراحل شنودة الثالث، أجرى في العام 2010 اتصالات مكثفة مع الكنيسة الإثيوبية من أجل تقريب وجهات النظر الخاصة بأزمة مياه النيل، خاصة بعد أن تفاقمت أزمة مياه النيل بين مصر وإثيوبيا بسبب اتفاقية عنتيبي، قام البطريرك الإثيوبي السابق الأب بولس بزيارة القاهرة، برفقة وفد كنسي رفيع المستوى للتباحث في هذا الأمر.

وكان العائق الذي يقف في وجه المساعي البابوية أن رأي البطريرك الإثيوبي استشاريا فقط، في ظل مدنية الدولة في إثيوبيا، حتى إن البابا شنودة الثالث في لقائه مع بطريرك إثيوبيا لم يتطرق إلى كنيسة دير السلطان المصرية بالقدس، والتي كانت تتبع الجانب المصري، وتقع حاليا تحت إشراف الجانب الإثيوبي بمساعدة من سلطات الاحتلال الإسرائيلية، حرصا من الكنيسة على استمرار الوفاق بين القاهرة وأديس أبابا، لضمان الأمن المائي المصري.

العلاقات ظلت قوية بين البابا شنودة الثالث والأنبا بولس، بطريرك الكنيسة الإثيوبية، إلا أن هذه العلاقات لم تنعكس في أزمة النيل، وهو ما كشف سببه الأنبا بولس في حوار مع التليفزيون المصرى، برفضه التعليق على أزمة مياه النيل بين البلدين، قائلا: «لست على دراية كاملة بهذا الملف، ولا أريد أن أقول شيئا، قد يكون خطأ أو مختلفا، وهو ما قد يعقد الأمور»، كما أكد أنه اتفق مع رئيس الحكومة الإثيوبية على عدم تدخل الحكومة في الكنيسة، وعدم تدخل الكنيسة في السياسة.

الكنيسة عادت مجددا لـ«دوامة الأزمة»، وجهزت وفدا رفيع المستوى في عام 2011، يرأسه البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية، لزيارة البطريركية الإثيوبية، من أجل بحث المبادرات الشعبية بين الكنيستين للمساهمة في حل أزمة مياه النيل والسدود الإثيوبية ومراجعة الاتفاقية الإطارية حول توزيع مياه النيل، وتقريب وجهات النظر أكثر بين القاهرة وأديس أبابا، لكن الأقدار حالت دون ذلك بوفاة البابا شنودة ومن بعده بطريرك إثيوبيا بولس.

وفي سبتمبر من العام 2015 زار البابا تواضروس، إثيوبيا لمشاركة الكنيسة الإثيوبية عيد الصليب، وزيارة كاتدرائية الثالوث القدوس بأديس أبابا والعديد من الأديرة والكنائس، والسفارة المصرية بأديس أبابا، كما زار المتحف القومي والمتحف البطريركي.
وقال البابا تواضروس، خلال الزيارة، إن جميع حواراته مع المسئولين الإثيوبيين تتضمن الحديث عن مياه النيل و«سد النهضة»، مضيفا أن نهر النيل مركز رئيسي في صلوات الكنيسة، والحفاظ عليه أمر مقدس.

بعد أن فشلت المفاوضات الأخيرة، وعودة ملف «سد النهضة» لـ«الصفر»، قال منسق العلاقات بين الكنيستين الإثيوبية والمصرية ورئيس لجنة الأزمات في المجمع المقدس الأنبا بيمن، في تصريح لـ«فيتو»: خطوات الكنيسة القبطية المرقسية، والخاصة بالتنسيق مع الكنيسة الإثيوبية في مجالات الخدمة والأنشطة والخدمات مستمرة على طول الخط، والكنيسة معروفة بوطنيتها لكن ملف «سد النهضة»، أمر سياسي.

وأوضح أن الكنيسة جزء من قوة مصر الناعمة، وتتدخل في الأزمات بطريقة غير مباشرة لخدمة الصالح العام، لكنها في الوقت نفسه تتواصل مع الشعب الإثيوبي باعتباره جزءا من خدمتها الرعوية، أما المفاوضات فهذه مسئولية الدولة.
وشدد على أن الكنيسة المصرية تسعى جاهدة للتواصل مع الشعب الإثيوبي، في حدود الممكن، مشيرا إلى أنه شعب محب لذا الخدمات والتواصل معهم روحيا فقط.
الجريدة الرسمية