رئيس التحرير
عصام كامل

أبو زيد: الحل العسكري «برة الحسابات».. وزير الرى الأسبق يكشف تفاصيل خطة 2037 وحقيقة بدائل النيل.. هناك استثمارات عربية بالمليارات في الداخل الإثيوبي.. والدور الذي تلعبه تل أبيب في أفريقيا مع

الدكتور محمود أبو
الدكتور محمود أبو زيد، وزير الرى الأسبق

يمتلك الدكتور محمود أبو زيد، وزير الرى الأسبق رؤية خاصة فيما يتعلق بأزمة سد النهضة الإثيوبي، يمكن القول إنها الأكثر عقلانية، وسط حالة الغضب التي بدأت تسيطر على الأجواء بعد إعلان القاهرة فشل التفاوض مع أديس أبابا.


وزير الرى الأسبق، في بداية حديثه لـ"فيتو"، أكد رفضه مبدأ أن التعامل العسكري مع الأزمة هو الحل الوحيد لها، مشددا على أن مصر لا تزال تمتلك طرقا كثيرة يمكن من خلال السير فيها أن تعبر "مطب المفاوضات" وتحقق نتائج جيدة فيما يتعلق بمستقبلها المائى.

وأكد التعنت الإثيوبي – السوداني الأخير لا يمكن وصفه بالعودة لمربع الصفر، فهو رفض لبعض البنود التي وردت في التقرير الاستهلالي، الذي قبلته مصر من منطلق المسئولية التي تقع على عاتقها بشأن الحفاظ على دول حوض النيل.

"أبو زيد" تحدث أيضا عن البدائل المتاحة للجانب المصرى حال بقاء الوضع عليه، وقدم ما يمكن وصفه بـ"خريطة الحلول البديلة" للأدوات التي يمكن أن تلجأ إليها مصر حال أن يصبح "سد النهضة" أمرا واقعا، كما أزاح النقاب عن الدور الذي تلعبه بعض الدول في المنطقة فيما يتعلق بـ"تقوية" الجانب الإثيوبي على حساب المصلحة المصرية.. وكان لنا معه الحوار التالي:

رغم من المفاوضات التي خاضتها مصر مع الجانب الإثيوبي بشأن أزمة سد النهضة.. يدور الحديث الآن عن إشكالية العودة لمربع الصفر.. تعليقك.
في الحقيقة لا يمكن أن نطلق عليها نقطة الصفر أو البداية، فقط الأمر يتعلق باعتراض على بعض بنود التقرير الاستهلالي من الجانبين السوداني والإثيوبي، فتوقفت المفاوضات، هذا كل ما في الأمر حقيقة، وهذا لا يعني نقطة الصفر على الإطلاق، بل هناك محاولات للعودة للمفاوضات مرة أخرى، إذن الأمر يتعلق بالتقرير الاستهلالي فحسب.

بداية.. من وجهة نظركم لماذا عادت أزمة "سد النهضة" على السطح جراء عدم الاتفاق على التقرير الاستهلالي، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر وحدها هي من وافقت عليه؟
التقرير الاستهلالي يعد نقطة البداية بالنسبة للدراسات التي يقوم بها المكتب الاستشاري للتعرف على الآثار السلبية لسد النهضة، فمن ثم لا يمكن التعرف على تلك الآثار من الناحية وطريقة التشغيل دونما يأخذ المكتب الضوء الأخضر في العمل، فنقطة البداية هي الدراسات المتفق عليها خلال لقاء الرؤساء في 15 مايو 2015، وإثيوبيا رفضت هذا التقرير لوجود اعتراضات على بعض النقاط الفنية، التي تعنتت هي والسودان في تمريرها، في حين وافقت عليها مصر تسييرًا وتسهيلًا للأوضاع.

هناك اجتماع مرتقب بين وزراء الدول الثلاث في القاهرة.. هل ترى أنه سيخرج بمعطيات إيجابية؟
أتوقع أن تستأنف المباحثات، وسيكون الاجتماع على مستوى اللجنة الفنية، ثم وزراء المياه لدول مصر والسودان وإثيوبيا، وقد يتبعه وزراء الخارجية، لأنني أتوقع بشدة تحركا دوليا وسياسيا في هذا المجال.

كيف ستتصرف القاهرة خلال الفترة المقبلة؟
أعتقد أن مصر بدأت في توضيح وجهة نظرها بالنسبة للمجتمع الدولي والإقليمي، وللهيئات الفنية والدولية هذا رقم واحد، ثانيًا هناك تقارب سياسي بين وزراء الخارجية الثلاثة "مصر والسودان وإثيوبيا"، أعتقد ستتبعه خطوات جديدة لم يتم الكشف عنها بعد.

على ذكر الجانب السياسي.. هل هناك مسارات بعينها ستتحرك مصر خلالها في الفترة المقبلة؟
المسار السياسي أعتقد هو الحل الأمثل، لا بد من وضع كافة بنود الاتفاقيات أمام المكتب الاستشاري، حتى لا تكون هناك حجة من قبل الجانب الإثيوبي، من ناحية الآثار الجانبية، فبأسرع وقت يجب العودة إلى المفاوضات السلمية السياسية. وهذا ما أكده طلب الإحاطة الذي قدمه مجلس الوزراء مؤخرًا.

ما الحلول التي يمكن أن تلجأ لها مصر مستقبلًا؟
أعتقد أن مصر عليها أن تلجأ لورقة الضغط الدولي، من خلال تعريف الدول بموقف إثيوبيا المتعنت تجاه التقرير الفني الأول أو ما نطلق عليه "الاستهلالي" الذي قدم للمكتب الاستشاري، وما يتبعه لقاءات مع وزراء الخارجية، وأظن سيتبع ذلك لقاءات بالرؤساء سيتبعها محاولة العودة بأسرع ما يمكن للمسار الفني.

هل تعنى هنا أن تدويل القضية المخرج الوحيد الآن أمام مصر؟
لا أعتقد أنه الحل أو الخيار الأخير والوحيد لمصر، هو فقط جانب أو سيناريو من السيناريوهات التي طرحها الجانب المصري، والتي تدور جميعها حول استئناف الجلسات على طاولة المفاوضات.

ماذا عن التحرك في الداخل الأفريقى؟
التحرك والمبادرة يجب أو يكون من جانب مصر، ثم دول حوض النيل تحديدًا، لتوضيح وجهة مصر وحقها في الاطلاع والتعرف على الآثار الجانبية للسد، وفي أسرع وقت.

وكيف ستناقش دول حوض النيل خاصة والدول الأفريقية بصفة عامة القضية؟
أعتقد من خلال الاتحاد الأفريقي، لكن هذا مجرد رجاء أن تتحرك الدول الأفريقية بالفعل، لكنها لن تتحرك وحدها، لا بد من وجود اقتناع تام لديهم بحق مصر ووجهة نظر مصر، حتى تتم المساندة الفعلية، وليس مجرد "كلام على ورق"، لا بد أن يتحركوا سويًا من خلال الاتحاد.

وما جدوى دخول الاتحاد الأفريقي على خط المفاوضات؟
يمكنه أن يدعو إثيوبيا للرجوع إلى الاتفاق حول النقاط العالقة وتمريرها، والموافقة على القرارات التي تم وضعها كما ذكرت في 15 مايو 2015.

ما ردك على من يرددون عبارة "اللجوء للخيار العسكري لحل الأزمة"؟
الحل العسكري منذ سنوات طويلة وهو مستبعد تمامًا، ولم يتحدث أي طرف من أطراف الأزمة بما فيه مصر عنه حتى وإن تفاقمت الأزمة، ومنذ بداية الأزمة والحل العسكري خارج حسابات، لأن القوانين الدولية لم تعد تسمح بالتدخلات العسكرية لحل مثل هذه القضايا.

حتى وإن كان ذلك رغبة مصر في إثبات أحقيتها في مياه النيل!
نعم.. لأن مصر يمكنها الحصول على هذا الحق بطرق شتى غير الحرب، لا يحق لها بالأساس الحديث عن الخيار العسكري دوليًا، فهناك مفاوضات تجرى وستجرى.

حدثنا عن طبيعة الاستثمارات العربية في إثيوبيا، وأبرز الدول المستثمرة هناك؟
هناك استثمارات عربية بالمليارات في الداخل الإثيوبي في الزراعة ومشروعات الكهرباء الخاصة بسد النهضة، فضلا عن الاستثمارات الصناعية، وتعد قطر والسعودية هما الأكثر استثمارًا للأموال في إثيوبيا منذ فترة طويلة.

بشأن الوجود القطري في إثيوبيا.. تعليقك على وصف بعض المحللين لزيارة الأمير تميم لإثيوبيا على أنها إنذار بكارثة حقيقية.
تبع زيارة أمير قطر لإثيوبيا زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين إلى قطر، كنوع من رد الزيارة، والاتفاق على التعاون في مجالات مختلفة، منها الصناعة والتصدير، واتفاقيات أخرى هم نفسهم لم يفصحوا عنها، قد يكون هناك اتفاق خاص بدعم إثيوبيا في مشروع سد النهضة، لأنهم في حقيقة الأمر في حاجة إلى دعم مادي الآن لاستكمال المشروع، فأنا لا أعتقد على الإطلاق أنه دعم عسكري ينذر بأزمة.

ماذا عن الاستثمارات الإسرائيلية في الداخل الإثيوبي.. هل العلاقة الاقتصادية الوطيدة بين البلدين حديثة النشأة أم لها جذور ممتدة لسنوات طويلة؟
بالطبع لا تخفى العلاقة الاقتصادية الجيدة بين إسرائيل وإثيوبيا على أحد، فهي تشمل المجال الزراعي والصناعي، منذ عقود طويلة ليس في هذه الأيام فحسب، ولكن مع ظهور مشروع سد النهضة، وجدنا إسرائيل تتصدر المشهد وبقوة، تعد هي الداعم الأقوى لإثيوبيا، فهي تدعمها في المجالين الفني والكهربي، بمعنى أنها تدعمها من خلال الوسائل المستخدمة والتصميمات، وخطوط ونقل الكهرباء ونقلها ما بين السد والدول المستفيدة.

ماذا عن الجانب التركي؟
حتى هذه اللحظة لم تعلن البلدان أي شيء يتعلق بسد النهضة أو التعاون السياسي بين البلدين، فكما قلت يمكن أن تكون رد زيارة فقط وفرصة للتقارب بين الدولتين. أما على الصعيد التركي فهناك نشاط تركي في إثيوبيا، لكن فيما يخص السد لم يتضح شيء حتى الآن، ولكن هناك احتمالية أن يحدث هذا التقارب الفترة المقبلة.

من وجهة نظرك.. هل هناك بدائل موازية للنيل حال وقوع الأزمة؟
بالطبع هناك خطة قومية لعام 2037، وتوضح كيفية مواجهة نقص الاحتياجات المائية، وبطبيعة الحال هناك حلول أخرى مثل مشروعات جنوب السودان، أهمها قناة "جونجلي"، والتي ستمد مصر والسودان بـ 4 مليارات متر مكعب من المياه، وتم إنجاز 70% ولكنه توقف بسبب الصراعات الدائرة بين رئيس جنوب السودان ونائبه. أيضًا كانت هناك محاولات للحصول على مياه جوفية من جنوب السودان.
هل ثمة علاقة بين المشروع البديل في جنوب السودان والتقارب الأخير بين البلدين ومحاولة مصر تخفيف التوتر بين الرئيس سيلفادور ونائبه؟
بالطبع لا، فالعلاقات لم تكن وليدة أمس، لكنها قائمة قبل تقسيم السودان، فمثلًا مشروع "جونلي" بدأ العمل فيه في فترة السبعينيات وأنجز فيه الكثير، لولا انقسام السودان في 2011 وما تبع ذلك من صراعات وأزمات.

هل هناك بدائل أخرى؟
نعم هناك بدائل أخرى يمكن من خلالها مواجهة أزمة المياه الناتجة عن بناء السد، مثل ترشيد استخدام المياه والحد من الفواقد، وتحلية مياه البحر، كل هذا موجود في الخطة، وأعلن عنها وزير الري عدة مرات.

وهل ستظل أطروحات والبدائل اللجنة الفنية الثلاثية بشأن السد ثابتة خلال الفترة المقبلة.. وما تقييمك لأداء وزارة الري الحالي تجاه الأزمة؟
العملية مستمرة، حتى وإن عقدت عدة جلسات وتعثرت الأمور، واضطروا إلى العودة مجددًا. وفيما يتعلق بوزارة الري، فهي لا تتحرك وحدها ولكن في إطار خطة قومية، تشمل الرئيس واللجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء، فهم لا يعملون وحدهم، ولكن في خطة متكاملة.
الجريدة الرسمية