رئيس التحرير
عصام كامل

الموسيقار العراقي فرات قدوري: غادرت بغداد بسبب الحصار.. والموسيقى العربية في حالة انحدار

فيتو

قدمت 300 تجربة موسيقية وأمتلك موسوعة موسيقية في عقلي

القانون "أم" الآلات الموسيقية العربية وصاحبة "السلطنة"


انفتح على ثقافات العالم ومزجت بين الموسيقى العربية والجاز لأنها حرة وارتجالية

الثقافة الموسيقية في الوطن العربي 10%


لم يختر آلة القانون، بل يمكن القول إنها هي التي اختارته بكامل إرادتها، وما كان منه إلا أن يعلن موافقته الارتباط بها مدى الحياة، ليهبها ما يملك من روح وثقافة، فلو أن "القانون" ارتبطت لعصور طويلة كونها إحدى آلات التخت الشرقي فقط، فإنها مع الموسيقار العراقي فرات قدوري تأخذ أبعادا وأشكالا مختلفة.

"القانون" يصفها "قدورى" بـ"الآلة الأم للسلطنة"، لذلك لم يكن منه إلا أن يضيف لعذوبتها ما فاضت به روحه من ثقافات موسيقية متعددة، اكتسبها من خلال الانفتاح الموسيقى على ثقافات الشعوب الموسيقية، فمدها بوصال طويل مع "الجاز والجاز اللاتيني"، ومن ثم أعاد عزف وصياغة المقام العراقي، ليحافظ على موروثه الثقافي الغنائي، ويطعمها بما جادت به نفسه من ثقافات مختلفة لغايات تعبيرية وجمالية عدة.. وعن العلاقة الخاصة التي تربطه وآلة "القانون"، والإضافات التي منحها إياها، وكواليس التاريخ الممتد بين أصابعه وأوتارها.. وأمور أخرى كان الحوار التالى:


بداية.. ما سر اختيارك لآلة القانون؟
يمكن القول هنا إننى لم أكن صاحب الاختيار في البداية.. وإنما كان والدي هو صاحب الاختيار عندما دخلت مدرسة الموسيقى والباليه في عمر الست سنوات، وكان عشقي آنذاك لموسيقى البوب والدرامز، لكن والدي رشح لي آلة القانون لدراستها، ومن هنا بدأت رحلة عشقي لتلك الآلة خاصة بعد تكويننا للفرقة العربية بالمدرسة، وبدأنا بالسفر لإقامة حفلات حول العالم، وزاد عشقي للآلة عندما سافرت ورأيت مدى اهتمام العالم الغربي بتلك الآلة، وكيف أنهم يعطونها قيمتها، ودهشت باهتمامهم بالموسيقى العربية في حين أننا لم نكن نهتم بموسيقانا آنذاك.

وما أبرز السمات التي تميز "القانون" عن سائر الآلات الموسيقية العربية؟
"القانون".. يمكن القول إنها الآلة الأم للآلات الموسيقية العربية، فهي دستور الآلات، ومن الناحية العلمية "القانون" تمتلك مساحات صوتية واسعة تؤهل العازف عليها أن يعزف جميع المقامات العربية بعدة طبقات، أما من الناحية الطربية فهي آلة السلطنة الموسيقية وتتميز بصوتها المميز والعذب.

طفت العديد من مدن العالم التي أقمت في معظمها لفترة زمنية، فهل كانت تلك الإقامات بهدف التعرف على موسيقى تلك البلدان؟ وما الخبرات التي اكتسبتها خلال هذا التجوال؟
عشت قرابة العشرين عاما في الغربة، عملت في المركز الثقافي العربي في بلجيكا لفترة طويلة، ثم ألمانيا أقمت فيها لفترة، ومازال لي منزل هناك، وحاليًا أقيم في دولة الإمارات، حيث أقمت مدرسة مصغرة للموسيقى.

ولماذا خرجت من العراق؟
خروجي من العراق، بصراحة شديدة كان بسبب الحصار، حيث كنت أحلم بأن أكون عازفا منفردا له حفلاته الخاصة، ثم جاء حصار العراق ليكون "ضارة نافعة"، فرغم الضرر الذي وقع على وطني من الحصار، فإنه نفعني في الخروج من العراق والتعرف على موسيقى العالم أجمع، وعملت أكثر من 300 تجربة موسيقية مع العديد من الجنسيات، حيث تعرفت على مختلف الثقافات الموسيقية، وهو ما يتضح جليًا في ألبوماتي الموسيقية.

تقيم حاليا في الإمارات.. ما سبب اختيارك للإقامة فيها؟
كنت بالصدفة مدعوا لإقامة حفل في الإمارات منذ 10 سنوات، وعندما زرتها أعجبني تعدد ثقافاتها وانفتاحها، خاصة أن هناك أكثر من 200 جنسية مختلفة فيها، وشعرت أنها المكان الأنسب لإقامة معهدي الصغير للموسيقى، وبالفعل أسست المعهد، وأسميته "مركز فرات قدوري للموسيقى" لتخليد اسم والدي الذي خرج من تحت يديه العديد من الموسيقيين والفنانين، أمثال نصير شمة وكاظم الساهر، وحاليًا أتنقل أنا وعائلتي بين الإقامة في الإمارات وألمانيا دون الاستقرار في وطني الأم، لأني لم أستطع العودة إلى العراق، بسبب الظروف الجارية على أرضه، لكنني أتمنى العودة إليه في المستقبل.

عملت على مزج القانون وموسيقاه العربية مع موسيقى الجاز.. من أين جاءت لك الفكرة؟
لدى عشق منذ الطفولة للموسيقى الغربية، مثل الجاز والبوب، وأنا منفتح كثيرًا على الثقافات الأخرى، وأحفظ العديد من الموسيقى لدرجة أني أمتلك الآن في عقلي موسوعة موسيقية، من فرط الاستماع.. وفي طفولتي أسس شقيقى قُصي فرقة للموسيقى الغربية فتأثرت أيضًا بما يعزفونه، وأحببت موسيقى الجاز خاصة، لأنها موسيقى حرة تعتمد في كثير من مواضعها على الارتجال، لذلك استطعت مزج الموسيقى العربية إليها.

هناك من يرى أن دمج الموسيقى العربية بالغربية يقلل من جمالهما.. إلى أي مدى تتفق وهذا الرأى؟
دمج الموسيقى العربية في أي نوع آخر، لا ينقص منها، بالعكس يزيد من جمالياتها، على أن تقدم في طبق جميل دون الإخلال بموسيقانا العربية، وكعراقي متخصص في المقام العراقي الذي يعتبر أحد أهم المقامات العربية، جسدت جميع المقامات العراقية في أنواع الموسيقى الأخرى.

ما الفارق بين اهتمامات الشعوب العربية والغربية في الموسيقى والفن؟
للأسف الثقافة العربية هي ثقافة غنائية فقط وليست موسيقية، فأنا أجد صعوبة في الوطن العربي لاستساغة ما أٌقدمه من موسيقى، فعندما تصدر أغنية ما تحقق نسب مشاهدات واستماع عالية، أما المقطوعة الموسيقية فتحقق نسبا ضئيلة جدًا في بلادنا، لأن الذائقة العربية هي غنائية في الأساس، وبعيدة كل البعد عن الثقافة الموسيقية.. فنسبة الثقافة الموسيقية بالوطن العربي لا تتعدى الـ 10%، أما في أوروبا فثقافتهم الموسيقية عالية جدًا، وأذكر أنه في طفولتي عندما سافرت إلى فرنسا لإحياء حفل مع فرقة الموسيقى، جاء الجمهور بعد انتهاء الحفل للمس آلتي "القانون" في حالة انبهار شديدة، في حين أن مدرسة الموسيقى التي كنت أحد طلابها كانوا يسمون قسمنا بـ "قسم الآلات المتخلفة الحجرية".

كنت صاحب فكرة إقامة أول معهد موسيقى في مدينة الشارقة.. فإلي أين وصل مشروع المعهد حتى الآن؟
بالفعل أقمت المركز باسم "مركز فرات قدوري الموسيقى" ويضم العديد من الأقسام التي تعمل على تعليم الموسيقى الغربية والعربية، كما يضم قسما للفنون التشكيلية والباليه، وتمت إقامته في مدينة الشارقة، لأنها بوابة ثقافية هامة في الإمارات، والمعهد استطاع تحقيق نجاح كبير، ويقدم العديد من الحفلات الموسيقية التي يتهافت عليها الجمهور، ويشارك في العديد من المهرجانات الموسيقية المهمة، واحتفلنا هذا العام بذكرى مرور خمس سنوات على تأسيسه.

صراحة.. هل ترى أن الموسيقى العرببة حاليا في حالة إنحدار؟
بالطبع يوجد حالة انحدار، لكن الانحدار الموسيقى موجود في جميع الأزمنة، وفي كل مكان مع اختلاف نسبته، فعلى سبيل المثال يعاني العراق حاليًا من حالة تدني موسيقي كبيرة بسبب الأوضاع السياسية التي تؤثر في الموسيقى بشكل أو بآخر، فهو وطن يتلمس خطواته الأولى بعد الحرب، وفي فترات ما بعد الحروب لا تمتلك الشعوب ثقافة تؤهلها لإنتاج موسيقى راقية، لذلك فالمؤسسات الموسيقية العراقية حاليًا تحارب من أجل البقاء، أما في مصر فيمكن القول إن الأمر يختلف إلى حد ما، فعلى الرغم من وجود نوعية موسيقى وأغاني "التوك توك" فإن الجانب الآخر يحمل تطورا في الموسيقى الراقية والهادفة.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..

الجريدة الرسمية