رئيس التحرير
عصام كامل

حسن زايد يكتب: حجاب الرأس أم حجاب العقل

حسن زايد
حسن زايد

كثر اللغط، وزادت حدته، حول قضية الحجاب. وقد شُمِّر عن السواعد، وامتُشِقَت الأقلام، وأُدْلِي بالدِّلاء، حتى لا يفُوت ـ أو يُفَوِّت ـ أحد، فرصة الخوض مع الخائضين. ففريق ينافح عن الحجاب، منافحة من اختزال الإسلام فيه، فلو ضاع ضاع الإسلام واندثر، ولو بقي وثبت، لبقي الإسلام وانتشر.


وفريق يتمترس على الضفة الأخرى من النهر، رافضًا له باعتباره فكرة رجعية ظلامية، وهو في الأصل عادة بدوية، جري استجلابها، من بيئة صحراوية بدائية، وفرضت علينا باعتبارها فريضة إسلامية. وفريق ثالث أصابته الحيرة والتردد بدوار العقل، فلا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، وإنما يميل هنا تارة، ويميل هناك تارة أخرى.

والفريق الأول يسوق من الآيات، والأحاديث النبوية، ومواقف الصحابة، ما يدلل به على فرضية الحجاب. والفريق الثاني يذهب في الدفاع عن موقفه كل مذهب، فتارة يقولون بِلَيِّ عنق النص القرآني حين تفسيره، أو أن الحديث حديث آحاد، إن لم يكن ضعيفًا، وتارة يذهبون إلى أن مواقف الصحابة صادرة عن عادة بيئية حاكمة كانت موجودة، وثالثة تقول بأن ارتداء الحجاب، وعلة وجوده، بقصد الوقاية من أوضاع مناخية قائمة في بيئة صحراوية.

الفريق الأول يسعي جاهدًا إلى إثبات فرضية الحجاب، وأن الفرض واجب النفاذ، لا على سبيل التخيير، وإنما على سبيل الإلزام، ومن ثم لا مجال فيه للحرية والاختيار، من ارتدته فقد أطاعت، ومن لم ترتديه فقد عصت. والطائعة مثابة، والعاصية معاقبة بمعصيتها.

والفريق الثاني يسعى جاهدًا إلى إثبات كونه عادة، وليس عبادة، وبذا يصبح باب التخيير فيه مفتوحًا على مصراعيه، لا محل فيه للإلزام أو الالتزام، وإتيانه ليس بطاعة، والامتناع عنه ليس بمعصية.

وأنا هنا لا أسعى إلى الانحياز لطرف على حساب آخر، أو الانتصار لطرف على حساب آخر. وإنما فقط أسعى إلى إزاحة حجاب العقل، وخلعه بالكلية، حتى يتبين لنا الخيط الأبيض، من الخيط الأسود من الأمر.

وهنا نقول بأن الكلام محصور فيما بين المؤمنين بوجود إله لهذا الكون، أما الملحدين الذين لا يؤمنون بوجود إله لهذا الكون، فهم خارج إطار المناقشة لأن الكلام لا يعنيهم في شيء، من قريب أو بعيد.

وقد حصرنا الكلام فيما بين المؤمنين بوجود إله في الكون، كي نتباحث في أصل القضية، ونتساءل : من وراء ارتداء البشرية للباس، بقصد الستر ابتداءً؟. مؤكد أنه الله. وهو الذي حدد ما يُرى، وما لا يُرى من جسم الإنسان، وأن ما لا يُرى يسمى عورة تستوجب الستر، والحجب، عن رؤية الغير لها، وما خلاف ذلك مباح، لحكمة ارتآها جل شأنه، قد تتكشف لنا إخبارًا، أو استنباطًا، كلها أو بعضها، وقد لا تتكشف. حتى لا نقول مع من يقول:بأن الأحكام تدور مع علتها، وجودًا وعدمًا، فالأحكام ـ في رأيي ـ باقية، وإن زالت علتها. وحتى لا نزايد على الله في علمه بمن خلق.

إذن فالستر قضية منتهية باعتبارها فرضًا، ومواضع العورة محددة سلفًا كذلك، وهناك اختلاف بين هذه وتلك، فيما بين الرجل والمرأة. وعلي ضوء ذلك تحدد للمرأة لباسًا أو زيًا، يتناسب ومواضع العورة فيها، فقيل في شأنه : أنه لا يصف، ولا يشف. أي لا يصف تقسيمات الجسم على نحو كما لو كان الجسم عاريًا، ولا يشف : أي لا يظهر ما تحته من الجسم. وقد يبالغ البعض بالذهاب إلى القول بألا يكون ملفتًا في ذاته، باعتباره من الزينة. ويرد عليه بأنه حتى ولو كان ملفتًا في ذاته، فمن باب إلا ما ظهر منها.

ثم يأتي القول على الحجاب، لأن اللباس أصبح مفروغًا منه، واستقر في جبلة البشرية وفطرتها، بحيث أصبحت تأنف أن تتعرى في العلن، إلا من آتي ذلك على سبيل الشذوذ عن القاعدة. ونقول : أن هناك نهيا بعدم إبداء الزينة باستثناء ما ظهر منها ابتداءًا، والوجه محل الزينة الظاهرة ابتداءً، وكذا الرأس، فترك الوجه، وأمر بتغطية الرأس والجيوب، لأن الأصل في الخمار أنه غطاء للرأس، فخمار الرجل عمامته، وموضعها الرأس، فيصبح بذلك الضرب على الجيوب بالخُمُر ِزيادة على الأصل، وليس نفيًا له، فلا يصح عقلًا القول بضرب الخُمُر على الجيوب دون الرأس. هذا عن النص القرآني القائل بفرضية الحجاب. أما الحديث النبوي، وإن قيل فيه أنه حديث آحاد، فهناك من العلماء من يقول بجواز العمل به في فضائل الأعمال، وهناك السنة الإقرارية، وفعل الصحابة، وعمل أهل المدينة، وشرع من قبلكم، وما جرت عليه العادة، من مصادر التشريع الإسلامي.

وقد يقول قائل: أين الحرية في كل ذلك؟. وهنا نقول بأن الحرية مقررة سلفًا، في القمة، حيث تُرِك الاختيار للإنسان في الإيمان من عدمه، في مسألة العقيدة، وهي القمة، ورأس الأمر كله. فإن آمن الإنسان، فإن هذا الإيمان يُرتِّب إلتزامات، فيما يتعلق بالأمر والنهي. وإن كفر فلا تكليف عليه لا بأمر ولا بنهي.

والأصل في التشريع منفعة الإنسان، كما يعلمها خالقه، لا كما يعلمها هو، لأن علم الله مطلق ومحيط، وعلم الإنسان نسبي ومحدود، ومن هنا جاء القول بأنه أينما تكون المصلحة، فثم شرع الله. والله شرع للمرأة الحجاب فرضًا، صيانة لها، وحفظًا لأنوثتها، وجاذبيتها، وحظر على الرجل رؤية مواضع الزينة والجمال من المرأة إلا بحقها، وهو الزواج. أما لو رأي منها قبل الزواج، ما يراه بعده، فلا قيمة لما رآه مجانًا عندما يصبح لديه. وبذلك تفقد المرأة إنسانيتها، وتصبح مجرد مستجلبة للشهوة وحسب، شأن بقية الكائنات.

ويبقى القول بأن من لم تجد في نفسها القدرة على قبول الإتيان بهذا الأمر، وأنها غير راغبة فيه، ولا محبة له، فلا ضير من إقرارها بوجوبه وفرضيته، حتى تحسب عند الله عاصية وحسب، بدلا من أن ترد الأمر على الآمر، نقدًا، ورفضًا، ومزايدة، ومبارزة لله. فماذا أنتن فاعلات؟
Advertisements
الجريدة الرسمية