رئيس التحرير
عصام كامل

الرجعية العربية والأمن القومى المفقود!!


لم يكن بمقدور المشروع الاستعماري الغربي الهادف لتقسيم وتفتيت المنطقة قديما وحديثا أن ينجح بعيدا عن المساعدة بواسطة الرجعية العربية، فعملية التقسيم والتفتيت الأولى في مطلع القرن العشرين وعبر اتفاقية سيكس بيكو كانت الأيدي العربية الغادرة المتآمرة حاضرة بقوة في مشهد التقسيم والتفتيت، وعندما أرادت بريطانيا القوى الاستعمارية الأكبر في العالم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أن تمنح اليهود قطعة من الأرض لإقامة وطن بدلا من تفرقهم في أقطار العالم المختلفة فيما عرف بمرحلة الشتات، عبر ما عرف بوعد بلفور كانت الأيدي العربية الخائنة والعميلة موجودة دائما، وجاهزة لطعنة جديدة في قلب الأمة العربية.


وعندما أعلن اليهود الصهاينة عن دولتهم المزعومة قرب منتصف القرن العشرين، وكانت شمس الإمبراطورية البريطانية قد أوشكت على الغروب، وبدأت شمس الولايات المتحدة الأمريكية في الشروق كقوى استعمارية جديدة في العالم، خرجت الجيوش العربية للتصدي للعصابات الصهيونية المعتدية على الأرض العربية في فلسطين، وهزمت الجيوش العربية بفعل الأيدى العربية الخائنة والغادرة.

وحين بزغ نجم زعيم عربي كبير قاد حركات التحرر الوطنى حول العالم، ودعا إلى مشروع بديل للمشروع الاستعماري القائم على فكرة التقسيم والتفتيت، وهو المشروع القومي العربي الذي يعتمد على فكرة الوحدة، تم التآمر عليه بنفس الأيدي العربية الرجعية، فقاموا بإفشال الوحدة (المصرية – السورية) أولا ثم ساهموا في حدوث النكسة ثانيا، ولم يهدأ لهم بال حتى رحل جمال عبد الناصر وفى قلبه مئات الطعنات الغادرة بفعل هذه الأيدي العربية المتعاونة مع القوى الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

ولابد من الاعتراف بأن العدو الأمريكي – الصهيوني قد استطاع وبمهارة كبيرة استخدام الرجعية العربية لضرب الأمن القومي المصري، سواء بمعناه الواسع الذي أدركه الزعيم جمال عبد الناصر من خلال قراءة واعية للتاريخ المصرى القديم والحديث، وهو ما جعله ينظر للأمن القومي المصري وفق ثلاثة دوائر رئيسية الأولى هي الدائرة العربية، والثانية هي الدائرة الأفريقية، والثالثة هي الدائرة الإسلامية، وكانت بداية ضرب هذا الأمن القومي بمعناه الواسع على أيدي الرئيس السادات، ومن بعده الرئيس مبارك عبر إدراكهما الضيق للأمن القومي المصري، والذي يتخندق حول الحدود الجغرافية القطرية، وكانت هذه هي الخطوة الأولى لضرب الأمن القومي بمعناه الواسع الذي استخدمه بمهارة ووعي جمال عبد الناصر، حيث انتهت نظرية الدوائر الثلاث للأمن القومي بقطع العلاقات مع الدائرة العربية عقب كامب ديفيد، ثم إهمال الدائرتين الأفريقية والإسلامية في الوقت الذي دخل العدو الأمريكي – الصهيوني ليملأ هذا الفراغ ويشكل هذا الفضاء وفقا لمصالحه.

وبعد نجاح الأمريكان والصهاينة بمساعدة الرجعية العربية في ضرب الأمن القومي المصري بمعناه الواسع، بدأت مرحلة جديدة لتضييق الخناق علينا لضرب أمننا القومي بمعناه الضيق، عن طريق إشعال النيران في محيطنا الجغرافي، فالحدود الشرقية المصرية مشتعلة دائما بفعل وجود العدو الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، ومع انطلاق شرارة الربيع العبري اشتعلت النيران على حدودنا الغربية، بعد التخلص من القائد الليبي معمر القذافي الذي وقف حجر عثرة لما يزيد على أربعة عقود حمى فيها البوابة الغربية للأمن القومي المصري، وبالطبع لابد وأن تكون الحدود الجنوبية مشتعلة بعد النجاح في تقسيم السودان بوابتنا الرئيسية للقارة الأفريقية إلى دولتين في ظل تهاون عمر البشير.

وبعد مرور ما يقرب من سبع سنوات على هذا الربيع المزعوم أصبح الأمن القومي المصري مفقودا سواء بمعناه الواسع أو الضيق، وانكشفت كل خيوط المؤامرة الأمريكية – الصهيونية، والمؤلم حقا أن تنكشف معها الأدوار الوظيفية للرجعية العربية، فالدائرة العربية كلها أصبحت مشتعلة بالنيران (العراق وليبيا وسوريا واليمن والسودان ولبنان) وشبح التقسيم والتفتيت ينتقل كالوباء من قطر عربي إلى آخر، وإذا كانت الرجعية العربية تاريخيا تقوم بأدوارها في الخفاء، فقد انتقلت في هذه المرحلة للعمل في خدمة المشروع الأمريكي– الصهيوني في العلن، فلا عجب أن تخرج رموز هذه الرجعية لتعلن أمام العالم أجمع أنهم يمولون الإرهاب في الدول العربية التي اشتعلت فيها النيران، أو أن يعلنوا الحرب عليها، ويقوموا بضربها ويهددون غيرها بالضرب.

هذا إلى جانب دورهم المخزي في ضرب الدائرة الأفريقية ومساهماتهم في بناء سد النهضة، المخطط له أمريكيا وصهيونيا لضرب أمننا القومي في مقتل عبر شريان حياة المصريين وهو نهر النيل، وبالطبع لم تنجو الدائرة الإسلامية من تآمرهم عبر إشعال الفتن ومساعدة تركيا على إحياء حلم دولة الخلافة، في ذات الوقت الذي تروج فيه لأطماع إيران في إقامة دولة شيعية في المنطقة في مواجهة الدولة السنية في الوقت الذي انكفأت فيه إيران على نفسها لبناء مجتمعها لتصبح قوى ذات وزن يهدد المشروع الأمريكي – الصهيوني وبالطبع العلاقات المصرية مع تركيا وإيران في أسوأ مراحلها.

وفى ظل هذه الأجواء المهددة للأمن القومى المصرى بواسطة المشروع الأمريكي – الصهيوني أصبحت مهمة مصر صعبة للغاية من أجل استعادة أمنها القومي المفقود فعليها أن تتحرك بحذر شديد وسط النيران المشتعلة بأيدي الرجعية العربية، وعليها أن تعيد ترميم علاقاتها على مستوى الدوائر الثلاث العربية والأفريقية والإسلامية، فتتدخل بقوة لإنهاء الحرب في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وفى لبنان قبل اشتعالها، وتعيد التحامها مع دول حوض النيل، وتعيد علاقاتها المقطوعة تعسفيا مع تركيا وإيران، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية