رئيس التحرير
عصام كامل

عودة الرق إلى القارة السمراء


كارثة إنسانية جديدة.. تكشفت أبعادها، الأيام القليلة الماضية.. مآسٍ وقصص ومشاهد مروعة تحدث في الجنوب الليبي.. ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أنه يتم الاتجار في أعداد متزايدة من المهاجرين الأفارقة الذين يمرون عبر ليبيا، فيما يطلق عليها "أسواق العبيد" قبل أن يحتجزوا مقابل فدية، أو يكرهوا على العمل دون أجر أو يتم استغلالهم جنسيا.


وذكر مهاجرون أفارقة التقت بهم المنظمة أنهم بيعوا واشتروا في مرآب وساحات انتظار للسيارات في مدينة "سبها" بجنوب ليبيا، وهي أحد المراكز الرئيسة لتهريب المهاجرين في البلاد. وقال عثمان بلبيسي رئيس بعثة المنظمة إلى ليبيا في جنيف إن المهاجرين يباعون بما يتراوح بين 200 و500 دولار ويحتجزون لشهرين أو ثلاثة أشهر في المتوسط.

وأضاف: "المهاجرون يباعون في الأسواق.. بيع البشر أصبح توجها بين المهربين، مع تزايد قوة شبكات التهريب في ليبيا". ويجري احتجاز المهاجرين، وكثيرون منهم من السودان، ونيجيريا والسنغال وجامبيا، أثناء توجههم شمالا باتجاه ساحل البحر المتوسط الليبي، حيث يسعون إلى ركوب سفن إلى إيطاليا. ويستخدم أغلب المهاجرين كعمالة يومية في البناء والزراعة، وبعضهم يتقاضى أجرا، والبعض الآخر يُجْبَر على العمل دون أجر. وقال: "وفيما يتعلق بالنساء، سمعنا الكثير عن سوء المعاملة والاغتصاب والإجبار على العمل بالدعارة".

وتوجد سجون في كل من: مدينة (سبها) كبري المدن في جنوب ليبيا، وثمة سجون أخرى في مدينة (أم الأرانب) ومدينة (ربيانا) جنوب شرق ليبيا، وهي سجون كلها خارج إطار الدولة الليبية، وتديرها ميليشيات قبلية، ويتم فيها تعذيب واغتصاب (الصوماليات والأثيوبيات) من المهاجرين حتى يموت بعضهم أثناء التعذيب ويتم إحراقهم بـ(ماء النار) لإجبارهم على دفع الأموال.

ويضطر المهاجرون، الذين يقعون فريسة لتجار البشر، للعمل بدون أجر، والحصول على طعام رديء، والإقامة في معتقلات كبيرة في الصحراء، في حين يموت بعضهم بسبب الجوع والمرض.

وبحسب صحفي وناشط سوداني، فإن (420) من الشباب السودانيين ماتوا بفعل العطش والجوع والبرد والتعذيب أيضا.. والمؤسف أن جثامينهم مازالت في غياهب المجهول.. حيث قام أحد مهربي البشر بإحضار جوازاتهم في "شوال" إلى مقر الجالية السودانية بإحدى مدن الجنوب الليبي. وقال إنه وجد هذه الجوازات في الصحراء وأصحابها قضوا عطشا دون أن يسأله أحد حتى عن المكان الذي مات فيه هؤلاء الشباب !!!! وتم التكتم على هذه المأساة.

وقال مهاجرون أفارقة إن تجارا للبشر في ليبيا يبيعون علنا في "أسواق للرقيق" مهاجرين من غربي أفريقيا، بعد أن علقوا وهم في طريقهم للهجرة إلى أوروبا عبر السواحل الليبية. وقد أبلغ هؤلاء الأشخاص شهاداتهم لمندوبين عن منظمة الهجرة الدولية، التي أشارت بدورها إلى أن التجارة في البشر أصبحت أمرا عاديا في مناطق عدة على الأراضي الليبية.

وقال أحد الهاربين من أسواق الرق في مدينة سبها، وهو سنغالي يبلغ من العمر 34 عاما، إنه تم نقله مع آخرين فجأة في سيارة إلى مدينة سبها جنوبي ليبيا، بعد عبور الصحراء من النيجر في حافلة للمهربين. وأضاف أن الرحلة كان هدفها السواحل الليبية، ومن ثم الانطلاق عبر البحر إلى أوروبا، لكن السائق ادعى فجأة أن أحد الركاب لم يدفع رسوم الرحلة، ثم سلم المجموعة فجأة إلى أحد الوسطاء ليبيعهم في أحد أسواق الرق.

وعندما يموت مهاجرون أو يطلق سراحهم يتم شراء غيرهم ليحلوا محلهم. ويدفن المهاجرون دون تحديد هويتهم ولا تعرف أسرهم ما حل بهم. وقال محمد عبدالقادر مدير العمليات والطوارئ بالمنظمة الدولية للهجرة في بيان "ما نعلمه هو أن المهاجرين الذين يقعون بين أيدي مهربين يواجهون سوء التغذية والانتهاكات الجنسية وأحيانا القتل، نسمع عن مقابر جماعية في الصحراء". وليبيا هي البوابة الرئيسية للمهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا بحرا.

وحتى الآن هذا العام عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا 26886 مهاجرا بزيادة بنحو سبعة آلاف عن عددهم في الفترة نفسها من العام الماضي. وتمكنت شبكة "CNN" الأمريكية من الحصول على مقطع فيديو يصور عمليات بيع علنية لمهاجرين تحولوا في لحظة إلى عبيد! وفي انفراد لها، قالت القناة الأمريكية في تقرير نشره موقعها الإلكتروني: إنها تمكنت بعد أبحاث استمرت على مدى شهور من التحقق من صحة الشريط الذي وصلها عبر مصادر خاصة. على الإثر، أرسلت الشبكة فريقًا إلى ليبيا أجرى تحقيقًا حول شائعات استرقاق المهاجرين وبيعهم باستخدام كاميرا خفية.

في الشريط الصادم، يبدو عشرات الأشخاص واقفين، في مكان غير محدد خارج العاصمة "طرابلس"، وهم يتنافسون في مزاد علني على شراء مهاجرين أفارقة وترتفع الأصوات التي تزيد السعر: 500، 550، 600، 650... وهكذا حتى ترسي الصفقة على المالك الجديد لـ "العبد".

وتمكنت CNN من لقاء عدد من المهاجرين الذين أكدوا حقيقة وجود هذه الممارسات واستمرارها، وقامت الشبكة بتسليم الصور إلى السلطات الليبية التي تعهدت بفتح تحقيق في الأمر. مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من جانبها نددت بعد نشر الشريط بـ"السياسة اللاإنسانية للاتحاد الأوروبي" التي تتعلق بـ"مساعدة خفر السواحل الليبي على اعتراض المهاجرين في البحر المتوسط وإعادتهم".

الجريدة الرسمية