رئيس التحرير
عصام كامل

صبية «الشقاء» لا يبحثون عن طفولتهم يوم عيدهم (صور)

فيتو

في عالمه "الموازي"، يستيقظ "محمد" في العاشرة صباحًا، يتقلب في فراشه الصغير المغطى بالملاءة الجديدة ذات الألوان الزاهية، والملأي بوجوه شخصياته الكرتونية المفضلة، اليوم عيد الطفولة، فأخبرته والدته أنها سمحت له بإجازة من المدرسة احتفالًا باليوم.




في واقعنا نحن وواقعه الغارق فيه حتى النفس الأخير، يستيقظ محمد في السادسة من صباح كل يوم، "كومة لحم" تتمدد حوله في الغرفة خافتة الضوء، الفاقدة للرفاهية ودروبها، يخلع جلد الصبي ذي العشر سنوات، ويخرج إلى عالم الرجال وإن كان الجسد الهزيل لا يوحي بذلك، يذهب لصاحب العمل الذي يحضر له عربة الفاكهة الثقيلة جدًا، "ببيع البرتقال والتفاح والموز بقالي نحو 3 سنين، علشان أصرف على اخواتي بعد ما والدي مات"، يتحدث محمد وهو يسحب عربته الخشبية منطلقًا إلى وجهته المعتادة، منطقة الموسكي.

لا صوت هنا يعلو فوق صوت التناحر والتلاطم البشري، يغوص هو في واقعهم الذي طالما فر منه في خياله الجامح، مطلقًا العنان لشخص آخر، يحتفل اليوم مع من هم في مثل سنه بعيد الطفولة.


"أنا جيت القاهرة من أربع سنين، حابب اعتمد على نفسي"، بهذه العبارات يتحدث محمد 15 سنة، وهو مطأطأ الرأس يعبث بفرش الأسنان المتناثرة أمامه على الأقفاص، يقطع حديثه الحذر ويضخم صوته قدر الإمكان "الفرشة بـ10 جنيهات"، محمد ترك أختين ووالدة وأب بالكاد يحصل يوميته من الزراعة في أراضي منطقة النزلة بالفيوم، وقرر أن يهيم في دنيا الله الواسعة بالقاهرة، "قاعد مع زوج خالتي في منشية ناصر، بطلع لي في اليوم نحو 50 جنيها، بصرف منهم وأحوش الباقي ابعته كل أسبوعين لأمي".

"عيد طفولة إيه أنا مبقتش طفل!"، يتلفظ محمد بهذه العبارة ساخرًا مما أطلق عليه العالم عيد الطفولة، وفي أحد أركانه يقبع هؤلاء، انقطعت بينهم وبين الطفولة كافة السبل، راودتهم أحلامهم الصغيرة مثلهم فعصوها رغمًا عنهم، ليحيكوا أحلاما تناسب واقعهم "أنا نفسي بس لما أكبر أكون صنايعي، سبت المدرسة علشان منفعتش فيها بس عايز يبقى معايا صنعة".


يمط رقبته ويشب برأسه ليتفحص الطريق أمامه، لا مفر من دهس قطة ضالة أو كلب صغير، حجم صغير وجسد هزيل يمسك بمقبض القيادة، يداعب القاصي والداني، وينادي على الزبائن الخارجيين من محطة مترو كلية الزراعة للركوب، "أنا عندي 12 سنة شغال على توك توك من سنتين، لما أبويا ساب البيت وطفش وشيلت مسئولية إخواتي"، عمر صاحب الـ12 عامًا، انخرط بفعل الظروف في حياة تشوبها في كثير من الأحيان المخاطر والسمعة السيئة، عالم سائقي التكاتك، بتفاصيله المثيرة دائمًا، "ملقتش شغلانة غيرها وبتكسبني في اليوم فلوس كويسة، بقدر أصرف على نفسي وإخواتي علشان بيتعلموا كلهم في المدرسة في حضانة وابتدائي".


إذا كان العالم يحتفل بعيد الطفولة، ففي أحد جوانبه، يبحث محمود وعمرو وغيرهم عن أي مؤشر يثبت أنهم ما زالوا أطفالًا بالأساس، وبعدها يفكرون ويرتبون كيف سيحتفلون بعيدهم!، "إحنا من الصعيد جينا مع بعض مصر نشتغل، ناس دلونا على الوكالة الشغل فيها حلو والفلوس كتير"، يتحدث محمود بينما يتوارى عمرو من الكاميرا، مرددًا عبارات الرفض بلسانه الصعيدي الصغير.

محمود وعمرو لم يكونا أصدقاء يومًا، لكن الظروف ذاتها جمعتهم في محل عمل واحد، كستهما بوجوه غير وجهيهما وأضافت سنوات كثيرة على عمرهما الذي لا يتجاوز العاشرة.
الجريدة الرسمية