رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في ذكرى المولد الكريم


أيام قليلة وتحتفل الأمة الإسلامية بأعظم وأسمى وأجل وأقدس ذكرى وحدث ومناسبة على مستوى التاريخ البشري والإنساني منذ خلق أبينا آدم عليه الصلاة إلى آخر مولود من ذريته، ذكرى مولد إنسان عين الوجود الهادي البشير والسراج المنير، وعين الرحمة الإلهية ونور الأنوار وترياق الأغيار وسر الأسرار النور الذاتي والسر الساري في جميع الأسماء والصفات، وإمام الأنبياء وسيد المرسلين وصفوة خلق الله تعالى أجمعين الإنسان، الكامل المكمل الأكمل الأتم بدر التمام خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا وملاذنا محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب على حضرته وآله الأطهار أفضل الصلاة وأتم السلام، ولا يخفى على إنسان عاقل أن مولده الشريف يعني الكثير والكثير..


يعني مولد النور والرحمة والعدل والرشد والرشاد والهداية والقيم الإنسانية النبيلة والمكارم والفضائل والمحاسن وإجمالا، يعنى ميلاد الحياة بمعناها الحقيقي الجامع لحياة الروح والقلب والعقل والنفس للبشر، كل هذا وأكثر، وأعتقد أن كل ما قيل في حقه صلى الله عليه وسلم من مدح وثناء لا يفي حقه ولا يرقى إلى حقيقته وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يعرف قدري إلا ربي"، وقوله: "إني لست كهيئة أحدكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني إشارة إلى ذلك"، ورحم الله الإمام البوصيري إذ قال في بردته وقصيدته الشهيرة: "وكيف يدرك حقيقته قوم نيام تسلوا عنه بالحلم"..

هذا وكل مدح وثناء على حضرته يقع تحت مظلة قول الله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يعرف قدري إلا ربي"، هذا ومعلوم أن الله تعالى هو الذي أدبه ورباه وحفظه ورعاه وإلى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم بقوله أدبني ربي فأحسن تأديبي، نعم فهو المتأدب بالآداب الربانية والمتخلق بالأخلاق القرآنية وهو قرآن الله الذي كان يمشي على الأرض..

هذا وقد جاء في الأثر أن الأمين جبريل عليه السلام حينما رأى الإرهاصات والأحداث الكونية التي حدثت في يوم مولده الشريف في السماء والأرض والتي كان منها، إحماء نيران الفرس التي كانوا يعبدونها على مدى أكثر من ألف سنة بقدرة الله عز وجل وتصدع عرش كسرى وتساقط شرفات قصره والذي كان يمثل الطغيان والجبروت في الأرض، وامتلاء بحيرة ساوة وفيضها، وإغلاق أبواب النار وتزين الجنان وفتح أبوابها، وتبديل الملائكة بأثواب نورانية أزهى وأشد وأجمل مما كانوا عليها، عندما رأى جبريل كل ذلك سأل ربه تعالى عن سبب ذلك فأخبره سبحانه بأنه قد أذن بمولد حبيبه محمد، هنا نظر جبريل إلى صفحة النبي الكريم في اللوح المحفوظ فوجد أن الله تعالى قد قدر عليه أن يولد يتيمًا وينشأ ويتربى يتيمًا فسأل جبريل ربه عز وجل عن الحكمة في ذلك فأجابه سبحانه: "يا جبريل حتى لا يكن له حاضنا ولا مربيا ومؤدبا ولا معلما إلا أنا"..

هذا وإذا أردنا أن نعرف قدر نبينا الكريم على قدرنا المحدود وليس على قدر حقيقته صلى الله عليه وسلم فلنتأمل في هذه الآيات القرآنية التي وصفه بها ربه تعالى، ولضيق مساحة المقال اسمحوا لي أن أذكر بعضا منها، يقول تعالى عن عقله صلى الله عليه وسلم: "ما ضل صاحبكم وما غوى"، وعنه بصره الطاهر: "ما زاغ البصر وما طغى"، وعن قلبه الطاهر الصافي وعين بصيرته: "ما كذب الفؤاد ما رآى"، وعن حكمته تعالى في بعثته: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وعن خلقه العظيم: "وإنك لعلى خلق عظيم"، وعن حبه للبشر وحرصه عليهم: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم".

هذا ولقد كان من حكمة الله عز وجل في ختم الأنبياء والرسل عليهم السلام به حتى يعيد البشرية إلى رشدها وصوابها بإحياء العقول والقلوب وتزكية النفوس وتخليص الأرواح مما يعوقها للعروج إلى محل نفختها ومصدرها والوصل بأصلها وبارئها سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى عمارة الأرض وإقامة العدل الإلهي فيها ونشر الرحمة بين عوالم الخلق، هذا ولتمام كماله صلى الله عليه وسلم جعله الله تعالى مناطًا للاقتداء والتأسي، حيث يقول سبحانه: "ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا".

وهنا لي وقفة أتساءل فيها: أين نحن أمة الإسلام من هديه القويم وسنته الرشيدة، أين نحن من مكارم الأخلاق التي ترجمها لنا عليه الصلاة والسلام قولا وعملا وسلوكا، للأسف الشديد قد ابتعدنا كثيرا وكان نتاج ذلك ما نحن فيه من ضعف وتمزق وفرقة وشتات وذلة ومهانة وتخلف، أمة الإسلام لنا أن نفرح ونحتفل بمولد الحبيب وأعتقد أن الاحتفال الحقيقي بمولده الشريف يتمثل في اتباعه واقتفاء أثره وهديه القويم وإحياء سنته الرشيدة وأعتقد أن ذلك سيفرح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
Advertisements
الجريدة الرسمية