رئيس التحرير
عصام كامل

حسن زايد يكتب: بين الإمام والزعيم دفاعًا عن العقل

حسن زايد
حسن زايد

أفزعني كل الفزع ما ثار من لغط حول مقولة ساقتها إحدي الصحفيات، في حديث صحفي، ثم طفت على سطح حوار متلفز، سرعان ما انتقلت كمادة إعلامية على وسائل الميديا، وتناقلتها الصفحات الميدياوية مصحوبة بتعليقات أشبه بالمعلقات في الهجاء، في الشعر العربي الجاهلي.


ويرجع السبب في ذلك إلى تعرض هذه المقولة إلى الشيخ الإمام الشعراوي ـ رحمه الله ـ إلى جانب أمور أخرى. وأنا غير معني بالدفاع عن هذه الصحفية ـ لأنها أولى بالدفاع عن نفسها، وهي حية ترزق ـ كما أنني غير معني بالهجوم عليها، لأن الغير ـ وما أكثرهم ـ قد كفوني مؤونة الهجوم عليها.

أما عن الذي أفزعني، فهو الإندفاع في الذود عن الشيخ الإمام، إلى حد تصورأن الشيخ هو الإسلام ذاته، وقد تعرض للهجوم الضاري، الذي لونجح لما بقي للإسلام أثرًا، في حين أننا نتقاعس أحيانًا في الدفاع عن الإسلام لو جري انتهاكه، حتى في أنفسنا، ونمر على ذلك أو يمر علينا، مرور الكرام.

ثم التسليم بصحة ما قاله الشيخ الإمام تسليمًا مطلقًا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتجد في مواجهتك من يتأول أقوال الشيخ، ومن يفسرها، ويُنَظِّر لها، ويجد لها ما يبررها. وكأن الشيخ الإمام لم يكن ليخطيء، ولا ينبغي له أن يخطيء، خروجًا على قاعدة : كل ابن آدم خطَّاء.

وفي معرض الدفاع عن الشيخ الإمام، استباح بعضنا لنفسه ما لم يبحه الإسلام في الخصومة، فقد نهانا الإسلام عن الفُجْر في الخصومة. ولكن بعضنا تصور أن هدم الآخر، ونقده، ونقضه، وشتمه، وسبه، وقذفه، وإخراجه عن الملة، ومحاكمته بذلك، هو انتصار للشيخ الإمام، وانتصار للإسلام.

ولقد كان المنطلق، الذي انطلق منه هؤلاء، هو منطلق العاطفة تجاه الشيخ الإمام والإسلام، والعاطفة لا تصح أن تكون معيارًا في الحكم بين الرجال ؛ لأن العاطفة محكومة عادة، بمشاعر الحب أو العداوة، ويقول تعالي : " وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ". أي : لا تحملكم عداوتكم لقوم على ألا تعدلوا في الحكم. وهذا يقتضينا إقصاء العاطفة جانبًا، وتحكيم العقل، ووزن الرجال بميزان الحسنات والسيئات، وما لهم، وما عليهم.

والنقطة مثار الجدل، ومحط اللغط، كانت فيما قاله الشيخ الإمام، في حديث متلفز، مع الإعلامي طارق حبيب في برنامجه من الألف إلى الياء، وفي الحلقة الأولى منه، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، عن سجدة الشكر التي سجدها فرحًا في أعقاب هزيمة مصر في يونيو 1967م، مبررًا فرحه بأن انتصار مصر وهي ترتمي في أحضان الشيوعية، لفتنَّا في ديننا. وهي وجهة نظر، وليست فتوي، ولا أمر ديني، هناك من يقبلها كلها، وهناك من يرفضها كلها، وهناك من يقبلها، أو يرفضها بتحفظ. وحق النقد لما يصدر عن أي إنسان هو حق تكفله الشريعة، وتأمر به. فإذا كان النقد اصطلاحًا هو موقف معرفي، قائم على قبول ما هو صواب في الرأي، ورفض ما هو خطأ فيه، فهذا ما يقول به الشرع،استمع إلى قوله تعالي :" الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ". وقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم) : " لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسئت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم ".

وليس من المعقول ولا المقبول ـ عقلًا ومنطقًا ـ القبول فرحًا بهزيمة نظام سياسي، تُوهم ارتماءه في أحضان الشيوعية، دون اعتبار لآلاف الضحايا ـ ما بين شهيد، ومصاب، وأسير ـ وآلاف الأسلحة التي فقدناها ـ تدميرًا، أو إعطابًا، أو استيلاءًا ـ وهي مشتراة بمقدرات هذا الشعب، وفقدان قطعة عزيزة من الوطن، وتدمير ثلاث مدن، وتهجير أهلها، بخلاف ضرب العديد من المنشآت المدنية، وعلي رأسها مصنع أبو زعبل، ومدرسة بحر البقر الابتدائية. ثم ما تلا ذلك من إحلال وتجديد، بتكلفة اقتصادية مضاعفة.

ثم ألا يعني الفرح بهزيمتنا، بمفهوم المخالفة، فرح بانتصار دولة إسرائيل ؟ !. وألا يعد ذلك مناقضًا لقوله تعالي : " غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾ " ؟!. وقصة هذه الآيات أن الروم ـ وهم أهل كتاب ـ هزموا من الفرس ـ وهم عبدة نار ـ فحزن لذلك النبي وصحبه، فبشرهم الله بأن الروم سيغلبون في بضع سنين، ويومئذ يفرح المؤمنون. لماذا ؟.لأن الروم ـ رغم اختلافهم في الديانة عن المسلمين ـ يؤمنون بوجود إله لهذا الكون. وهذا هو مدعاة الحزن في الأولى، والفرح في الثانية.

ثم نأتي إلى المبرر الذي ساقه الشيخ الإمام ونتساءل : هل كان عبدالناصر شيوعيًا حتى يصح في حقه هذا التبرير؟ !. وهنا نحيل ـ اجتنابًا للإطالة ـ إلى مقال : عبدالناصر والتجربة الناصرية / تقييم إسلامي موضوعي، للأستاذ الدكتور / صبري محمد خليل ـ أستاذ فلسفة القيم الإسلامية ـ بجامعة الخرطوم. ثم الإحالة إلى موقف الشيخ الإمام نفسه من جمال عبد الناصر فيما كتبه في رثاءه، في كتاب " الشيخ الشعراوى وفتاوى العصر" للصحفى محمود فوزى. كما أن الشيخ الإمام قد قام بزيارة ضريح عبدالناصر في 1995م، وقرأ الفاتحة على روحه. وقد فسر ذلك بأنه كان يتخذ موقفًا من قانون تطوير جامعة الأزهر، ثم رأي رؤيا أن عبدالناصر كان وحقًا.

وأخيرًا لم ينتبه المدافعون عن الشيخ الإمام أن هناك علما يسمي : " علم الرجال " أو " علم الجرح والتعديل " في مجال السنة، يتناول رواة الأحاديث بالنقد، وهم أموات. ولولا هذا العلم لاختلط صحيح الحديث بضعيفه بحسنه بمنكره.

وهذا يعني أن انتقاد الشخص في أقواله، لا تقلل من قدره، ولا تنتقص من قيمته، ولا تطعن في الدين ذاته. أما الارتفاع به إلى ما فوق النقد، ورفعه إلى محل التقديس، فهذا ما أراه محل نظر
Advertisements
الجريدة الرسمية