رئيس التحرير
عصام كامل

محمد حميدة يكتب: السيناريو الغامض في أزمة الحريري

محمد حميدة
محمد حميدة

لا شك أنه لا يوجد إجابة قاطعة بشأن أزمة الحريري حتى الآن، ما إن كان محتجزا بالسعودية من عدمه، قبل سفره لفرنسا، وعلى الرغم من ظهوره ونفيه لتلك الافتراضات، وخروجه تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي "ماكرون"، إلا أن الرئيس اللبناني ميشال عون، قال إن "رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري محتجز وموقوف في السعودية وأنه لا شيء يبرر عدم عودة الرئيس الحريري بعد مضي 12 يومًا. 

الأيام المقبلة ستشهد عودة الحريري إلى لبنان فعليا لاستكمال اجراءات الاستقالة الدستورية، ليبقى التساؤل هل سينتهي الأمر عند هذه النقطة ليقطع بذلك فرضية الاحتجاز ويبرهن على فرضية محاولة الاغتيال، أم أن هناك أطراف خيوط أخرى توضح حجم ما يحدث، خاصة أن الأمر لا يقتصر على كونه شأن "سعودي إيراني لبناني" فقط. 

في البداية علينا أن نمسك بطرف الخيط من قول الحريري نفسه، فحديثه في المقابلة التليفزيونية يختلف بشكل كبير جدا عما قاله في بيان الاستقالة، بعيدا عن لغة الجسد والتحليلات التي قد تحتمل الصواب والخطأ كون الأمر ليس بالهين فمن الطبيعي أن يظهر الرجل بهذا المظهر لأن الخطوة التي اتخذها تتعلق بوطن كامل يمكن أن يتعرض لمخاطر كبيرة فكان من البديهي أن يظهر عليه كل مظهر، لكن لا بد أن نتوقف عند بعض النقاط التي تساعد على رؤية المشهد من نقطة بعيدة تتسع معها الرؤية للكثير من النقاط المتعلقة بالأمر. 

1ـ في المقابلة تحدث الحريري عن الخطوط العريضة عن دوره السياسي في الفترة المقبلة وأنه سيعود للتفاوض مع الفرقاء اللبنانيين وهو خطاب مغاير لبيان الاستقالة حيث يحمل الحديث التليفزيوني إمكانية التفاوض مع حزب الله وهو ما يكشف أن هناك أمورا لم تكشف بعد خاصة بإعادة ترتيب بعض التوازنات في المنطقة المشتعلة. 

هناك نقطة غائبة عن المشهد وهي وجود حزب الله في منطقة جنوب غرب سوريا، خاصة أن الحزب اصبح على وشك أن يقيم قواعده في تلك المنطقة بما يهدد إسرائيل بشكل مباشر خاصة في ظل الدعم الإيراني، وقد يمكن ربط هذا الأمر بالتفاهم الذي جرى بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين بعد لقائهما في فيتنام الأيام الماضية، خاصة أن وزارة الخارجية الأمريكية أوضحت أن البيان الصادر جاء بعد فترة من التفاوضات، وبمقتضاه يقوم الجانب الروسي بالضغط على النظام السوري وحلفائه بالابتعاد عن منطقة الجنوب مقابل تعد الولايات المتحدة بمحاربة العناصر الإرهابية هناك بما فيها جبهة النصرة وتنظيم داعش. 

2 - تحقيق تلك الخطوة سيتبعها مطالبة أخرى بضرورة عودة حزب الله إلى لبنان حسب ما تم التوافق عليه بين الروس والأمريكان من أجل عقد مفاوضات جديدة بين النظام وفصائل المعارضة خاصة أن الأخيرة اشترطت خروج حزب الله من الأراضي السورية. 

3- القضية لم تقف عند الوضع في سوريا بل تشمل خطوة استباقية ومحاولة لإعادة التوازن للجانب البناني خاصة بعدما أصبحت أوراق كل من سوريا واليمن بيد إيران الداعم الأكبر للأسد والحوثيين، وهنا لابد أن تكون الولايات المتحدة وروسيا على إطلاع بما يدور خاصة أن حسم القضية السورية سيفك الكثير من التشابكات المتعلقة بتواجد إيران وحزب الله. 

4 – الآمر الخامس قول الحريري بأنه سيعود ليمثّل الطائفة السنية في منظومة الحكم في التركيبة الحكومية القادمة، وأنه لن يدخل في مواجهات مباشرة وأنه سيسعى للتعاون الكبير مع رئيس الجمهورية ميشال عون لتحقيق توازنات خاصة بالتكتلات السياسية اللبنانية وهو ما يعني أن هناك عدة أهداف سيحملها الحريري خلال الفترة المقبلة في لبنان. 

5- في النهاية وحسب ما لدى من معلومات فإنها من المستبعد أن يكون تم احتجاز الحريري بمعنى الاحتجاز إلا أنه قد يكون وجد نفسه أمام سيناريو أعد دوليا لحل بعض الجزئيات المتعلقة بالجانب السوري والإيراني والسعودي وإسرائيل من جانب آخر، وقد يكون الرجل وجد نفسه أمام تلك المجاذفة لتفادي سيناريو آخر كان سيقود لبنان إلى المصير السوري أو العراقي خاصة في ظل حدة التوتر بين السعودية وإيران واختلاف الرؤى الروسية الأمريكية التي تؤثر بشكل قاطع في مناطق النزاع بالشرق الأوسط.
الجريدة الرسمية