رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ما يطلبه العيال!


تصيبني حالة من الذهول المستعصي على أي أقراص أو جلسات علاج طبيعي عندما أطالع حالات ذهول البعض الآخر الذي لا ينفع مع حالته الأكثر استعصاءً التدخُل الجراحي، ولا القنبلة الهيدروچينية، ولا العزل الطبي في مستشفيات الصحة النفسية، خصوصًا لما أتلقى الصدمة بعد الأخرى وأنا شايفهم مستغربين أوي ومذهولين جدًا من سلوك مُدرسين آخر الزمان، وبيدينوا وبيشجبوا وبيستنكروا، لأ وبينذهلوا كمان، وبيزعَّقوا وبيبرَّقوا، وبعد كده كُل شيء بيتنسي لحَد ظهور الحالة التالية، فيتكرر نفس الأمر بالكربون كأننا مكُناش لسَّه مذهولين أول إمبارح، طيب إيه اللي حصل إمبارح؟ أبدًا كان الجُمعة ومفيش حَد ابن حلال شيَّر جريمة جديدة ـ ومسخرة ـ لمُدرس آخر علشان ينذهلوا بسببها!


تقدر تقول كده إن الذهول كان في إجازة يوم الجُمعة، فلا مُدرس خصوصي شرح للعيال الكيمياء يومها بطريقة جنسية فجَّة ووضيعة لا تليق بحرامي غسيل، وسامحني لن أقول بواب أو سايس باركنج أو مكوجي لأن كُل هؤلاء أنضف من أمثال هذا المُدرس ومَن كانوا على شاكلته وهُم للأسف كُثر، ولا واحد زميله قام هزّ وسطه على أغنية يا مزوَّق يا ورد في عود والعود استوى والكُحل في عيونه السود جلاب الهوى، المُهم أخد الذهول إجازة يوم الجُمعة، وحتى المُدرس اللي اتعود يشرح التاريخ للعيال على نغمات موسيقى المهرجانات تقريبًا كان عنده فرح أو طهور بيرقُص فيه، علشان كدة منح العيال إجازة في هذا اليوم، حاكم العيل اللي يتقفش في يوم زي دة مُمكن يزعل أوي خصوصًا لو مفيش بنج!

والحكاية بمنتهى الوضوح الواصل لدرجة السفور والبجاحة والنطاعة أن المُدرسين خلاص مبقاش عندهم لا دَم ولا نخوة، لا أتحدث عن الجميع بالتأكيد ولا أضع قاعدة، لكن الكلام عن أباطرة الدروس الخصوصية، اللي عرفوا من أين تؤكل الكتف ومن أين تؤكل دماغ العيال التلاميذ ومعاها دماغ أهاليهم وجيوبهم، فتحوَّل المُدرس إلى أراجوز في اللبس أو الضحك أو الخلاعة، وكُل دة علشان يعجب العيال، أصله لو معجبهوش هياخدوا بعضهم وزمايلهم ويروحوا لسنتر تاني عند مدرس آخر يمتلك قدرات أقوى في المسخرة، ويقعد هو يطبِّل لنفسه ويرقص لنفسه؟ ميصحِّش برضو!

المُدرس الذي التزم الوقار وتقدير المهنة واحترام الذات، أصبح على الرَف ـ إلا مَن رحم ربي وعُرف المُجتمع المسكين المُضلَل الغارق في مساخر أفلام ومسلسلات وأغاني (عبده موتة) و(أوكا وأورتيجا) ـ فلا أحد يسأل فيه ولا يعبَّره، فالتزم الصمت والسكون لتنطبق عليه وعلى أمثاله الآية الكريمة "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا"، أما اللي بيسألوا الناس رقص وزَمر وطَبل ونُقطة فهُم المدرسين المسخرة اللي فاتحين كباريهات دروس خصوصية، واحد يرقُص للعيال بيلى دانس، وواحد يغني لهم، وواحد يتحدث أمام صبيان وبنات في سن خطر ومرحلة خطر وظروف خطر بفجور جنسي صريح جزاءه لو كُنا في دولة قانون ومجتمع واعي أن يتم الزَج بهذا الشخص للسجن مدى الحياة، بعد قطع رقبته، آه رقبته، إنت فاكر إن مُمكن حاجة تانية؟ وعذرًا للسياق!

للأسف تحوَّل القطيع الاجتماعي الجاهل إلى قائد، وتحوَّل العيال التلاميذ المُراهقين إلى أصحاب أمر ونهي عند المُدرسين؛ فالتلميذ هو مَن يختار المُدرس، وزي أي جماعة في العالم وسط كُل جماعات التلاميذ هتلاقي قادة منهم، هُم القادرون على إبداء الرضا أو الغضب على هذا المُدرس أو لا، وبالتالي سحب باقي المجموعة علشان ياخدوا عنده درس خصوصي بالشيء الفلاني، أو سحبهم من عنده وحرمانه من الشيء ومن الفلاني سوا، وأصبح المُدرس يلهث ويزحف على بطنه ورا العيال، راغبًا في إرضائهم علشان لقمة الدروس الخصوصية، أو بالأصح صينية الفتَّة باللحمة بتاع الدروس الخصوصية، فتخلى عن أي وقار أو هيبة أو موضوعية أو مهنية أو كرامة علشان الفتَّة واللحمة والرُز والخل والتوم!

تحوَّل المُعلم القائد إلى دلدول علشان الفلوس الكتير، وأرجوك لا تُحدثني عن الرواتب والأسعار، فسأحدثك وقتها عن الكادرات والمُكافآت والمدارس خاوية على عروشها من المُدرسين والطلبة بعد ما صار ديدن المُدرسين إنهم يطلبوا من الطلبة ميجوش المدرسة علشان الكُل يوفَّر وقته ومجهوده للدروس الخصوصية أو النوم أو أي مشروعات أخرى، ثم أن مهنة التدريس مشروطة بشخص مُحترم يقود لا يُقاد، يوجِّه ولا يتم توجيهه، يعلِّم الأخلاق ويصمم على الفصل بين الصح والغلط، مش يرقُص هِزّ يا وِز!

أصبح الغرض الأول والأساسي للمُدرَّس لا تعليم العيال، لكن الحصول على رضاهم أولًا، ومن ثم تلقينهم الكلمتين بأي طريقة، يغني لهم، يزغزغهم، يطرقَع لهم صوابعهم، يقُص لهم ضوافرهم، مش مُشكلة خالص طالما بيدفعوا بعد ما بيضحكوا وبيجيبوا زمايلهم يضحكوا على المُدرس المسخرة، أما المُدرس المُحتفظ بوقاره فدمه تقيل لا يليق بالعصر الأغبر ولا المُجتمع المشوَّه الحالي، وبالتالي محدش هياخُد عنده درس، ولو كان حضرته عاجب الأهل فهو مش هيعجب الطالب، والطالب أمره ماشي على الأهل زي ماهو ماشي على المُدرس الخصوصي، يا كده يا مش هينجح ولا يجيب مجموع!

هؤلاء الأهالي هُم مَن تظاهروا واعترضوا وقفلوا شارع قصر العيني المسكين؛ اعتراضًا على قرار إجبار التلاميذ على الحضور في المدارس كنوع من أنواع مُكافحة الدروس الخصوصية، وهُم مَن تظاهروا قبل عامين في بور سعيد وأجبروا المحافظ على التراجع عن قرار إغلاق كباريهات أو سناتر الدروس الخصوصية، وكذلك في الشرقية، وهُما نفسهم اللي بيشتكوا بعد كده من مصاريف الدروس وأعبائها، الأهالي هُم اللعبة التي يلعب بها العيال في وقت فراغهم بعد ما بيلعبوا وينبسطوا بمُدرسين آخر زمن، ويحضروا عرض لمُدرس بيمشي على الحبل أو بيعمل عجين الفلاحة وهو بيشرح التاريخ أو بيتكلِّم عن الجغرافيا، أو بيفصص درس التكاثر في الأحياء بمنتهى الأريحية، ومش بعيد يعرض لهم أفلام إباحية كمان لو كانوا عاوزين، وأرجوك قبل ما تعارض أو تقول أن هذا مُستحيل، من فضلك تذكَّر المُدرس اللي كان بيشرح الكيمياء بطريقة جنسية فجَّة، طيب الأحياء أولى بقى من غير ذهول.. واللا إيه؟!
Advertisements
الجريدة الرسمية