رئيس التحرير
عصام كامل

حتى لا تموت «شيرين»


رواية الأديب الإيطالي ألبرتو مورافيا "امرأتان"، التي تحولت إلى فيلم قامت ببطولته صوفيا لورين، وأخرجه فيتوريو دي سيكا، كانت تحكي عن أهوال الحرب العالمية الثانية، ويعد ألبرتو مورافيا أشهر كاتب إيطالي في العصر الحديث.. رواية "امرأتان" تدور أحداثها إبان الحرب العالمية الثانية عند انهيار الفاشية وإعدام موسوليني وعشيقته.. والفيلم استمر عرضه لفترة طويلة ليمثل جانبا من مآسي الحروب.


في أحد مشاهد التقى شاب إيطالي بجنديين بريطانيين أنزلتهما إحدى الغواصات عند الشاطئ الإيطالي، وفي حوار بين الجنديين والشاب، سألهما: "هل تعرفان أحدًا في إيطاليا؟ فأجابا: "نعم.. نعرف "ليوناردودافنشي"، و"مايكل أنجلو".. واستبدت الدهشة بالشاب الإيطالي، فقال للجنديين البريطانيين: "ولكن هذين الرجلين ميتان".. قالا: "نحن لا نعرف غيرهما من الإيطاليين".

ولمن لا يعرف فإن ليوناردو داڤينشي (1452 - 1519 م) يعد من أشهر فناني النهضة الإيطاليين على الإطلاق، ومن أشهر لوحاته "الموناليزا"، وكان له الأثر الكبير في مجال الفن والرسم على مدراس الفن بإيطاليا لأكثر من قرن بعد وفاته وأبحاثه العملية، خاصة في مجال علم التشريح والبصريات، وقيل عنه إن ريشته كانت تعبر عما يدور بذهنه من أفكار سبقت عصره، ومايكل أنجلو، الذي ولد في 6 مارس 1475، هو أشهر نحاتي عصر النهضة في أوروبا قاطبة.

الذي أراد "البرتو مورافيا" أن يوصله من وراء هذا الحوار الخاطف، الذي دار بين الجنديين البريطانيين، والشاب الإيطالي، أن الفن خالد، والفنان لا يموت.. وشهرة الفنان تظل ثابتة.. قد ينساه بعض ضعاف الذاكرة، وضعاف النفوس، لكن تبقى له شعبيته وجماهيريته إذا كان مخلصًا في أدائه لمهمته كفنان، ومدركًا لقيمة كونه فنانًا.

الفنانُ الحقيقيُّ تصل درجة الإعجاب به إلى التقديس.. قد يكرهه أعداءُ النجاح، وهم كُثُرٌ، لكن الجمهور يظل يحبه، مهما حاولت سهامُ الحقد أن تُشَوِّهَ صورتَه وتزيَّف سيرتَه.. ويصنع منه معجبوه رمزًا وطنيًّا، ويتحول إلى سلاح قومي تستخدمه الدولة لبناء مجد ومكانة تناطح به غيرها من الدول المنافسة.. ويصير إحدى ذخائر القوة الناعمة.

عندما مات عبد الحليم حافظ، انتحرت ست فتيات حزنًا.. وساد الحداد كافة أركان العالم.. في كل بقعة يوجد فيها عربي أعلن حالة الحداد. ولا يزال عبد الحليم يتربع على عرش القلوب، ومحبوه وعشاق فنه بالملايين في جميع أنحاء العالم، رغم كل محاولات الحاقدين للنيل منه.

كذلك أم كلثوم اتهموها بكل الموبقات، ولم ينل ذلك من تاريخها الناصع، ولا من سيرتها العطرة، ووطنيتها المخلصة.. ولا تزال رمزًا سامقًا يفتخر به المصريون والشرق في كل مكان.

تلك المعاني والقيم يجب على الفنان الحقيقي أن يحافظ عليها ويحترمها، وألا يهينها، أو يخدشها بتصرفاته، وتصريحاته، وعلاقاته.. أي تصرف غير لائق، مهما بدا صغيرًا أو تافهًا، فإنه ينال من الوضع والهالة والصورة التي يرسمها الجمهور لمعشوقه، الفنان ليس شخصًا عاديًّا؛ لذا فإن تصرفاته وأحاديثه، حتى نكاته وفكاهاته، يجب ألا تكون كالشخصي العادي.

الأديب العملاق أنيس منصور وصف أخطاء الكبار بأنها تصير أعظم منهم.. في كتابه "عظيم لكن عيوبه أعظم".. هذا باختصار.

جيلنا أحب شادية، ونجاة، ووردة.. وصفق لهاني شاكر، ومحمد ثروت، وعلي الحجار.. وثَمَّ كثيرون غيرهم ذاعت شهرتهم فترة من الوقت لكنهم انطفأوا بسرعة، مثلما انطلقوا بسرعة.. هذا على ساحة الغناء.. وفي التمثيل والرياضة أمثلة عديدة.

إذا لم يدرك الفنان قيمته ومكانته وعظمة ما يقدمه فإنه لا يحتل الموقع الصحيح في القلوب، ويخرج من التاريخ من الباب الخلفي.. لا يترك أثرًا، وبعد انطفاء نجمه لا يذكره أحد، بل يطويه النسيان، هذا هو الفارق بين شيرين عبد الوهاب، وآمال ماهر، مثلًا، أو أنغام.

شيرين؛ لا ينكر موهبتها إلا جاحد، لكن تصرفاتها وتصريحاتها، في كثير من الأحيان، لم تكن في نفس روعة الموهبة؛ لذلك تأثرت صورها، وإذا لم تسارع شيرين بإعادة تأهيل نفسها، لكيلا تتكرر أخطاؤها فإنها ستقع في المحظور، وستخسر كل رصيد الحب لدى جمهورها، وستطويها دائرة النسيان مثلما كان مصير غيرها، ممن لم يدركوا قيمة فنهم وموهبتهم.
الجريدة الرسمية