رئيس التحرير
عصام كامل

المديرة السابقة للتعليم الفني: تطوير المناهج أكذوبة.. والمواد الجديدة استكمال لمنظومة الفشل

فيتو


  • أطالب بـ "وزير جريء".. ونظام التعليم العمالي ضيع الطلاب
  • نصيب الطالب من ميزانية المواد الخام 26 جنيهًا سنويا
  • 20 ألف طالب يلتحقون بالتعليم الفني مقابل 63 ألف معلم


أهل مكة أدرى بشعابها.. لذا كان لقاؤنا مع "منى حسن"، مدير عام التعليم الفني سابقا، والتي صارحتنا بالعديد من التفاصيل المرعبة في هذا الملف، وأدت إلى تدهوره، كذلك أكدت أن مصر أول من ابتكرت التعليم الفني، وكانت تطلق عليه "الصنعة"، ونقله العالم عنها، مشيرة إلى أن التجربة اليابانية نموذج متغير الاسم من نظام مصري كان مطبقا في الثمانينيات وكشفت، في حوارها معنا، أن وزارة التعليم الفني لم تستمر سوى 6 أشهر، ثم ألغيت لأنها لم تضف جديدا.. كما أكدت أن الاستعانة برجال الأعمال وتشجيع الاستثمار في التعليم الفني هو طوق النجاة من تدهور القطاع، وإلى نص الحوار.

• لماذا أُنشئت وزارة التعليم الفني؟ ولماذا تم إلغاؤها؟
- لم تقدم الوزارة خلال الـ6 شهور التي استمرت خلالها أي جديد، أمانينا كانت كبيرة جدا، لخلق كيان وهيكل تنظيمي يخرج على أساسه كل موظفي التعليم الفني من عباءة التعليم العام، وألغيت الوزارة بسبب فشلها في تحقيق المراد، والآن مدير المديرية يرأس التعليم العام والفني، هو ما لن يمكن من تحقيق أي تطور في التعليم الفني، لأنهم يضعون التعليم العام والتجريبي نصب أعينهم في البداية، ويأتي دائما التعليم الفني في ذيل القائمة، نحن بالفعل بحاجة لوزير للتعليم الفني، يملك من الجرأة ما يمكنه من المطالبة بالحق في تأسيس البنية التحتية للتعليم الفني، وتوفير الميزانية المثالية.

• كيف ظُلِم التعليم الفني بين العام والتجريبي؟
- توريد الكتب على سبيل المثال لا يتم إلا بعد الانتهاء من توريد كتب التعليم العام، بما يهدر الكثير من الوقت على الطلاب، والميزانية ضعيفة جدا وتكاد تكون معدومة، لم تغط المواد الخام التي يحتاج إليها الطلاب، والمبالغ المحددة لتوفير المواد الخام كما هي منذ التسعينيات، ونصيب الطالب الواحد منها 26 جنيهًا سنويا، بما يدفع لعمل 3 طلاب على مادة خام واحدة.

حتى في المؤتمرات التي تعقد للتعليم العام والفني يتولى الفنيون أعمال الصيانة الكهربائية به، والأعمال الخشبية من أثاث وغيره، وتشغيل كل الإلكترونيات، ومهما عملوا لا يظهرون في الصورة، ويظل الاهتمام الأساسي بالتعليم العام، رغم أن طلاب التعليم الفني قادرون على تغطية كل مصاريف وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، إذا توافرت لديهم الإمكانيات التي تؤهلهم لذلك، ببيع ما يصنعونه في معارض المشغولات وتحقيق مكاسب عالية.

• ما أسباب القصور في التعليم الفني؟
-النظرة الخطأ للقطاع وسوء سمعته، وافتقادنا لوجود مسئول محدد ومدير عام واحد للتعليم الفني، يمكن اللجوء إليه، فضلا عن عدم الفصل بين ميزانية التعليم العام والفني، وكذلك شئون العاملين، فالسبب الرئيسي في تدهور التعليم الفني ازدواجيته مع التعليم العام وعدم الفصل بينهما.

• ما الذي يمكن أن يقدمه التعليم الفني للاقتصاد القومي؟
- نموذج مثالي للتعليم الفني يوضح ما يمكن بالفعل تقديمه، مدرسة "حلوان للتعليم المزدوج"، تحت إشراف المصنع الحربي 99، تلك المدرسة تتمتع بإدارة جيدة وإمكانيات عالية، تقدم عقود عمل بعد التخرج في المصنع، وتطبق مبدأ "تربية وتعليم ثم استفادة"، إذا تم تعميم هذا النموذج سنصبح رقم واحد على مستوى العالم في التعليم الفني، وستتقدم مصر على إثره، ونحن قادرون على تخريج طالب قادر على سد العجز الفني، بدلا من تخريج سائق توك توك يضيع ميزانية وأموالا صرفت عليه لتدريبه على العمل الفني، كما أن طلبة التعليم الفني قادرون على سد جميع الاحتياجات الفنية لكل المؤسسات القومية، وعلى رأسها المساكن الاجتماعية، فعلى سبيل المثال إذا سلمت لهم عمارات، سيعملون على تركيب الصرف الصحي والكهرباء وكل أعمال الإلكترونيات، فضلا عن تصنيع المنتجات الخشبية المطلوبة وكل أصناف وأنواع الغرف، وبالتالي تتنافس التخصصات فيما بينها، بما يدفعهم لإتقان الصنعة لتحسين دخلهم، كما أنهم قادرون على تغطية احتياجات المؤسسات القومية من مدارس ومؤسسات مدنية وعسكرية، بداية من البناء، وصولا لتصميم وتصنيع الملابس، كل ذلك بأسعار أفضل بكثير من الموجودة في السوق.

• ما أبرز التجارب العربية الواجب الاستفادة منها؟
-لا يعلم الكثيرون أن الغرب هو من تعلم منا "الصنعة"، وأكبر دليل على ذلك إصرار سيدنا "عمر بن الخطاب" على تصنيع كسوة الكعبة في حي الخرنفش بالقاهرة، نظرا لتفوق مصر عالميا في هذا المجال، كانت آنذاك يطلق عليها مدارس "التلمذة"، والجدير بالذكر أن التجربة اليابانية التي يسعى المسئولون لتنفيذها الآن، كانت بالفعل مطبقة في مصر في الثمانينيات، تحت شعار "الحكم الذاتي"، يعاد تطبيقها وكأنها مكتسبة من اليابان تحت شعار آخر، وهو "اخدم نفسك"، على أن يعمل الطالب بيديه منذ بداية دخوله المدرسة حتى الخروج منها، بداية من مسح المقاعد وتنظيف الأرضيات وتنظيف الأطباق بعد تناول الوجبة، وصولا لتأمين المدرسة، كجزء أساسي من التدريب، فهو "ألف باء" تعليم الطالب داخل الورشة، ولكن كيف سيحدث ذلك والطلاب في الأساس لا يذهبون للمدرسة، والأهالي ينظرون لتلك التصرفات على أنها إهانة لا تصح؟!

• هل لدى الدولة رغبة في التطور؟ وما أكثر النماذج المراد تطبيقها في الوقت الحالي؟
- إذا سرنا في نفس الطريق لن يحدث أي تطوير، أما عن أفضل تجربة في الوقت الحالي الواجب الاستفادة منها فهي التجربة الألمانية والمطبقة في مدارس "مبارك كول"، ومدرسة زين العابدين بالسيدة زينب، والسلام الفنية، حيث يذهب الطلاب للمصنع للتدريب العملي، ويعودون للمدرسة للدراسة النظرية، ولكن المشكلة الأساسية في ذلك ضرورة وجود المصنع بالقرب من المدرسة، خاصة أن التنقل يمثل عبئا كبيرا على أولياء الأمور، في ظل نقص ميزانية القطاع لتوفير وسائل نقل للطلاب.

• ما أسباب تغيب الطلاب عن المدارس، وكيفية تفادي ذلك؟
- يجب أن تكون نسبة حضور الطالب 75% عملي، و88% نظري، نظام أؤيده بشدة، ولكن الوزارة خلقت استثناءات منذ عدة سنوات لأسباب اجتماعية، كإنفلونزا الطيور والخنازير، وبعد أن انتهينا من كل تلك العقبات، سمحت الوزارة بالنظام العمالي في مقابل النظامي، حيث يسمح للطالب العمالي بالغياب عن ورش العمل والدراسة مقابل دفع مبلغ معين من المال تحدده الوزارة، وهو أفشل نظام، لأنه يخرج طالبا لا يفقه شيئًا في التعليم الفني.

• ماذا عن تطوير المناهج؟
- تطوير مناهج التعليم الفني أكذوبة كبرى، فالمناهج شبه بعضها، لا يتغير سوى صفحة المقدمة وصورة الغلاف، وتأتي الوزارة بدكاترة جامعيين لتعديل المناهج، ويحصلون على مرتبات مقابل ذلك، وكل التعديلات صورية لا أساس لها، بل جاءت بالنقيض، وبصورة عكسية بزيادة النظري وتقليل العملي.

تطوير المناهج لا بد أن يكون قائمًا على ما يريد الطالب تعلمه، بتعلم القراءة ثم حفظ القرآن والتدريب العملي على الصناعة الفنية، ولكن أدخلت الوزارة مواد لا قيمة لها بالنسبة لطالب التعليم الفني، كمادة الفيزياء والكمبيوتر، وترهق الطلاب دون جدوى، كما أن طالب التعليم الفني لا يستطيع مذاكرتها، وبالتالي يغشها ليتمكن من النجاح، والوزارة تكرر نفس خطأ أولياء الأمور بأن يكون الطالب غير قادر على المذاكرة، ويلحقونه بالثانوية العامة لتعلم الفيزياء والأحياء.

أيضا التطوير الذي يتحدثون عنه طال عدد الحصص الأسبوعية، فبعد أن كانت 18 حصة تم تقليصها إلى 10 حصص، وتقليل مدة الحصة فلا يتمكن المدرس في الأساس من بدء الدرس.

• هل من الممكن الاستثمار في التعليم الفني؟
- بالفعل، وأنا أؤيد بشدة بناء مدارس خاصة للتعليم الفني، فإذا ألحق ولي أمر ابنه بمدرسة خاصة، يعني ذلك أنه قادر على مصروفاتها، كالمدارس الخاصة الفندقية والتجارية والمجال الصناعي، فلا مشكلة في ذلك نهائيا، بل بالعكس التعليم الخاص في المجال الفني يساعد على تطويره، واهتمامهم بمسابقات أوائل الطلاب لها دور كبير في ذلك، كما أنني طالبت بتوقيع بروتوكولات تعاون مع المصانع وشركات رجال الأعمال لتنظيم وتوفير ورش عمل لطلاب القطاع، ثم توفير فرص عمل بعد التخرج.

• كم عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم الفني وعدد المعلمين والمدارس؟
- يلتحق 20 ألف طالب سنويا بالتعليم الفني، بينما يصل عدد المعلمين إلى 63 ألفًا، فيما تبلغ عدد المدارس التجارية الحكومية 25 مدرسة، والفندقية الحكومية 8 مدارس، أما المدارس التجارية والفندقية الخاصة والخدمات فيبلغ عددها 60 مدرسة، بينما يصل عدد المدارس الصناعية 63 مدرسة، ومدرسة واحدة فقط خاصة وهي مدرسة الألسن بمدينة نصر.

• هل مدرس التعليم الفني بحاجة لتطوير؟
- لا، ولكنه بحاجة لزيادة مرتبه، ليتمكن على الأقل من سد حاجته اليومية، والبعد عن الإهانة من الطلاب بسبب الدروس الخصوصية، والمشكلات الأساسية التي تواجه المدرسين في المدارس الفنية تقليل هيبتهم بسبب الدروس الخصوصية، واحتياج المدرس للطالب ليتمكن من سد حاجاته اليومية.

• ما رأيك في نسبة نصيب طلاب التعليم الفني من الجامعات؟
- النسبة ليست كبيرة 5% فقط، ويسعون لزيادتها بنسبة 10%، ولكني لا أؤيد لذلك، حيث يتخرج سنويا الآلاف من طلاب الجامعات يعانون من البطالة، فنحن ليس بحاجة لطالب جامعي، ولكننا بحاجة لفنيين.

• إلى متى سيظل التعليم الفني سيئ السمعة؟
- إلى أن تستطيع الدولة توفير فرص عمل للدارسين فيه بعد التخرج، لتفادي نظرة أولياء الأمور والمجتمع للفني على أنه يعمل في ورشة ويهان من رئيسه في العمل، وبالتالي تتغير النظرة لعمل الطالب داخل المدرسة.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية