رئيس التحرير
عصام كامل

أين دراما الدولة الهادفة؟!


آن الأوان أن نرى دراما جادة هادفة ترعاها الدولة، وتحشد لها بحسبانها أحد أهم أدوات تشكيل الوعي والعقل والوجدان؛ ومن ثم لا يصح تركها في أيدي العابثين أو المفسدين أو المستهترين؛ حتى لا تصبح أجيالنا الجديدة لقمة سائغة أو سهلة القياد والتشكيل، تتقبل ما يُلقى إليها من مفاهيم مشوشة ومحتوى فارغ دون قدرة على الفرز والتمحيص، نريد دراما جادة كالتي صاغتها عقول المبدعين في الزمن الجميل، فترسخت وبقيت في وجدان أجيال عديدة من المصريين والعرب، مرشدًا نحو قيم الحق والخير والجمال.. دراما تحرض على التفكير والنقد والعمل والإنتاج والعلم والتجويد والإبداع والمشاركة السياسية والالتزام بقضايا الأمة ومكارم الأخلاق.. دراما تحارب الجهل والشعوذة والدجل والتواكل والسلبية والعادات المرذولة.


ولا يصح والحال هكذا أن يترك أمر الدراما والسينما لضمائر القائمين عليها، بل مطلوب من الحكومة أن تبادر بتصحيح المسار ليس بالمنع والمصادرة، ولا بالتقييد والتضييق بل بطرح الأفضل فكرًا وإخراجًا وإنتاجًا لخلق توازن في المجال العام، يعيد للوعي وجهه المضيء وللإبداع قيمه الراقية، مطلوب دراما تفضي إلى إيقاظ العقل والضمير وتعبئة الناس لمعركة وجود يجري تغييبهم عنها بفعل فاعل حتى تصبح الحكومة في وادٍ والشعب ولاسيما شبابه في وادٍ آخر.

نريد دراما تستقي مادتها من صحيح التاريخ وتعيد كتابة هذا التاريخ بروح موضوعية تحيي قيم النضال وسير الكفاح والولاء الوطني وتنعش الذاكرة بفترات الانتصار والازدهار، وبالقادة العظام الذين ضربوا للدنيا أروع الأمثلة في فن القيادة والعدالة والاقتدار.. نريد دراما جاذبة تستنقذ العقل المصري من غزو ثقافي يعرض له تقاليد غريبة وعادات شاذة لشعوب لا تربطنا بها أي روابط قومية.. نريد دراما تبث فينا روح الأمل وتنير مشاعل الحرية المنضبطة وتقدم حلولًا ناجعة لمشكلات مزمنة.. نريد دراما تعيد للعلاقات الاجتماعية والأسرية اعتبارها، وتحث على صلة الأرحام والرفق بالأيتام والمساكين والفقراء واحترام الكبير والرأفة بالصغير.. دراما لا تتجرأ على اقتراف المحارم حتى ولو كانت واقعًا يحياه البعض لكنه يبقى في أسوأ الأحوال استثناء لا يصح التركيز عليه أو لفت النظر إليه أو اعتباره مرضًا عضالا لا فكاك منه، فعبارة ناقل الكفر ليس بكافر حق أريد به باطل يبرر به أصحاب الهوى أفعالهم المشينة، فأفلام المقاولات والعري والعربدة والعنف لم تكن تعكس ظواهر اجتماعية بقدر ما كرست سلوكيات مشينة في مجتمعات سلمت عقولها للعابثين والمتربحين بالقبح والرذيلة.

نريد دراما تعالج قضايا الوطن وتسلط الضوء على البؤر المضيئة في حياتنا وقصص النجاح والتحدي وتجارب الأمل التي كانت سببًا في تقدم دول كانت أقل منا ثم سبقتنا.. القدوة الحسنة مطلوبة حتى يتبارى شبابنا وصغارنا في تقليدها بدلًا من تقليد "الأسطورة" أو "الصياد" أو "ابن موت".
الجريدة الرسمية