رئيس التحرير
عصام كامل

حسن زايد يكتب: «عالمة مصرية في العاصفة»

حسن زايد
حسن زايد

يبدو أننا لا ندرك قيمة الأشياء إلا بعد أن نفقدها، كذلك الإنسان، لا نعرف قيمته إلا بعد أن نفقده، ويبدو أن أديبنا الراحل يوسف السباعي، قد أدرك هذه الحقيقة، فصدر إحدى رواياته بكلمات موجعة، تصب في ذات الاتجاه، حين قال: "إذا أردتم أن تكرموني، فكرموني في حياتي، أما بعد مماتي، فاكتبوا على قبري: هنا يرقد أكبر حمار في العالم".


ولا أدري إن كان هذا ديدنًا مصريًا خالصًا، أم أن هناك مجتمعات أخرى تشاطرنا إياه، وليست الكارثة في ذلك فحسب، وإنما تمتد إلى الأشياء، وآحاد الناس، الذين يُلْفِت العالم أنظارنا نحو قيمتها وأهميتها، فنحن لم نلتفت ولم نشعر، ولم يشغلنا الإلتفات أو الشعور، إلى أهمية آثارنا المصرية القديمة من حيث قيمتها الذاتية كفن معماري من طرز فريدة، ولا قيمتها من زاوية الاتصال الحضاري تاريخيا بيننا وبينها، ولا قيمتها كمعالم سياحية بلا نظير في العالم، إلا بعد أن لفت الغير أنظارنا إلى ذلك.

ونحن لم نلتفت إلى قيمة أديبنا العالمي نجيب محفوظ، إلا بعد حصوله على جائزة نوبل في الأدب، فأدركنا أنه ليس كل من أمسك بالقلم، وسود الصفحات، هو نجيب محفوظ، ولم نلتفت أو يشغل بالنا العالم الفذ أحمد زويل، إلا بعد حصوله على جائزة نوبل في الكيمياء، فأدركنا أنه ليس كل من حصل على درجة الدكتوراة، أو حتى درجة الأستاذية عالم.

تلك كانت البيئة الأكاديمية التي تخرَّج فيها العلماء، أما في زمن الرسائل العلمية المعلبة، سابقة التجهيز، التي تعطي وجاهة اجتماعية، بأكثر مما تعطي علمًا وفكرًا وإبداعًا، وقصاري ما تحققه أن تخرج مجرد "خوجة" في الجامعة، يُدَرِّس لطلابه رسالته العلمية، أو جزءًا منها، ويفرض عليهم شراء كتابه مطلع كل عام دراسي، وقصاري ما يطرأ على كتابه من تغيير أو تعديل هو رفع أحد الفصول منه في عام، وإعادته في العام التالي، حتى يضطر الطلاب إلى شراءه، في هذا الزمن نحن أحوج ما نكون إلى وجود العلماء.

عندما يكون هذا شأننا في الآونة الأخيرة، فلا ريب أننا لا ندرك قيمة الإنسان فينا حتى نفقده، فإذا فقدناه جلسنا إلى جوار قبره نبكي عظمته، وقد حدث ذلك من قبل، وآخر من حدث معه ذلك، عالمة مصرية شابة، لم نلتفت إليها عندما استضافها الدكتور معتز عبد الفتاح، في إحدي حلقات برنامج 90 دقيقة، الذي كان يقدمه على قناة المحور، وقد تم دعوتها مؤخرًا، من جانب القائمين على تنظيم المنتدي العالمي للشباب، بشرم الشيخ بمصر، لحضور المنتدى بصفتها عالمة مصرية، وهي الدكتورة نهي عبد الكريم.

لقد أثيرت حول هذه العالمة الشابة عاصفة هوجاء من الهجوم، تجاوزت كل حدود النقد المباح والمشروع والموضوعي، إلى الخوض في أعماق الحياة الشخصية، مصحوبًا بالشتائم والسباب والتجريح، وفي جملة واحدة، الإغتيال الأدبي بكل أبعاده ومراميه، والسبب هو الاختلاف على مسألة إجرائية، تخص أسلوب إدارة جلسة من الجلسات، أدت إلى انسحابها من الجلسة، مع أن الاختلاف وارد، وهو في الأصل لا يفسد للود قضية، وهو لا يعني الخلاف، بل العكس هو الصحيح لأنه دلالة صحة، وليس عرضًا لمرض.

العالمة المصرية شعرت بالغبن في الوقت المخصص لها، فضلا عن مقاطعتها أكثر من مرة، من الإعلامية مقدمة الجلسة، الأمر الذي يؤثر سلبًا على وجهة نظرها، التي ستبدو مبتسرة، وفاقدة المعنى والجدوى، بما يعني ضياع الوقت والمجهود والهدف من تواجدها، وهي قد استأذنت المنظمة الدولية التي تعمل لحسابها، في نشر بيان عن مشاركتها في المنتدى، ونبذة عن المنتدى، ترسل لدوائر صنع القرار في أمريكا والمكسيك وكندا؛ لإبراز دور مصر في دعم الشباب وتنميتهم، والاستفادة بخبراتهم، ونشر "سكرين شوت" من الإعلان عن المنتدى، الذي قامت به، عن طريق المنظمة التي تعمل بها، وإرسال رسالة للخارج أن مصر بخير.. تعالوا زورونا.

قد لا يعني هذا بالنسبة لنا شيئًا، وقد لا يعني شيئأً بالنسبة للإعلامية مديرة الجلسة، وإنما بالقطع يعني للعالمة المصرية كل شيء، لأن هناك من ينتظر المادة الإعلامية، فقد حَضَّرَت خطابها بمشاركة رؤسائها التنفيذيين، ومديرها التنفيذي للقسم الإعلامي، وقد ضمنت الخطاب توصيات اعتبرتها مفيدة، وجميع هؤلاء يتنظرون المادة الإعلامية، التي سيعملون عليها، وفجأة نتيجة خطأ في الجدولة الزمنية للجلسة، يُطاح بالحلم الأمل، ويتحول إلى كابوس مزعج خانق.

أنا أظن أن الأمر لو كان متعلقًا بالبعد الشخصي للدكتورة العالمة لتجاوزت عنه، وإنما تعديه إلى جهات أخرى تنتظر منها النتيجة، هوما ولّد عندها حالة التوتر، وقيامها واعتراضها وانسحابها مجرد تسجيل موقف ليس أكثر، من الممكن أن يصدر عن أي شخص طبيعي عادي، كما أظن وبذات القدر أن الإعلامية التي أدارت الجلسة، لو علمت تلك الملابسات، لكانت قد دققت في الجدولة الزمنية للجلسة، وفي الإلتزام بها بدقة، ولا أعطت العالمة المصرية حقها من الوقت دون زيادة أو نقصان، وإنما هي فروق التوقيت بين هنا وهناك، فهناك معايير إدارة الجلسات تختلف عن معاييرها هنا.

العالمة المصرية الشابة نشرت على حسابها في موقع التواصل "فيس بوك" رسالة، فندت فيها المزاعم التي لحقت بها على الجانب الشخصي، وشرحت ملابسات ما حدث وأسبابه، وختمت رسالتها بكلمات عظيمة منها: "حقكم عليَّ"، وأشارت إلى أن انسحابها لم يكن القصد منه الإساءة إلى مصر، وأنه بالإمكان الاختلاف معها حول انسحابها، ولكن لا يمكن الاختلاف على أن مصر أكبر من ذلك.
Advertisements
الجريدة الرسمية