رئيس التحرير
عصام كامل

أحدث فتوى لوزير التربية والتعليم!


أدلى وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي بفتوى عن الدروس الخصوصية جاء فيها على لسان فضيلته: "الدروس الخصوصية حرام ولا تختلف عن الشخص الذي يبيع المخدرات"، وأوضح خلال لقائه ببرنامج "الحياة اليوم" على قناة "الحياة" مع الإعلامي تامر أمين فتواه وأصَّلها قائلًا: "من يبع المخدرات لا يشربها لكنه يتاجر ويحصل على أموال ويبيع سلعة تُذهب العقل، وكذلك الدروس الخصوصية فيها المدرس لا يعلم الطالب المادة حتى يستفيد منها إنما يعلمه الطريقة التي يجتاز بها الامتحان ومن هنا يأتي إذهاب العقل"..


يا سلام سيادته أدلى بفتواه وحكمه الشرعي دون أن يكون معه سند من الدين أو مؤهلات الفتوى؛ مما يجعله يندرج تحت قانون الإفتاء دون علم أو دون مؤهلات؛ وطبعًا فتوى سعادته جاءت دون أن يكلف نفسه ويطلع على فتوى مجمع البحوث الإسلامية في 12 أبريل لعام 2016، حيث جاء في رد لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية على سؤال حُكْم إعطاء الدروس الخصوصية: "إن "الإباحة" هي الأصل في إعطاء الدروس الخصوصية، لعدم وجود ما يمنع شرعًا -هل تعرف يا فضيلة وزير التعليم معنى لا يمنع شرعًا؟ أي ليست حراما فضيلتك- موضحة أن بعض التلاميذ ليس لديهم القدرة على الاستيعاب أثناء الحصة المدرسية، ولكن ذلك بشروط أن يكون المدرس جيدًا في مادته التي يدرسها وقادرًا على إفهامها، وألا يخل ذلك بعمله الأصلي في المدرسة، ولا بما تشترطه عليه جهة العمل، لأن المسلمين عند شروطهم ألا يكون المدرس محابيًا لمن يدرس لهم في البيت على حساب البقية، وألا تكون هناك خلوة محرمة أو فتنة متوقعة.

وطبعا أنا من أشد المعارضين للدروس الخصوصية التي أظن أنها سبب في خراب كثير من البيوت العامرة، وتدمير شمل لبعض الأسر، حيث قد يضطر رب الأسرة وحتى يوفر ثمن الدرس الخصوصي إلى مخالفة ضميره والقانون مما يوقعه تحت طائلة قانون العقوبات؛ فيدمر الأسرة كلها، كما أن هذه الدروس الخصوصية تلتهم معظم دخل الأسر المصرية، حيث تشير الكثير من الإحصائيات إلى أن الدروس الخصوصية تكلف كاهل الأسر مليارات الجنيهات، حيث تتكلف مصر ما بين 3 و5 مليارات جنيه سنويًا، وأكدت مصلحة الضرائب أن متوسط دخل المدرس عن الدروس الخصوصية يصل من 10 آلاف جنيه إلى 60 ألف جنيه شهريًا.

كما أن الدروس الخصوصية حطمت مبدأ تكافؤ الفرص، وزرعت التفرقة بين الطلاب في فترة تعتبر أجمل فترات الحياة بينهم، واتسمت بالتسابق في الدروس الخصوصية التي يتلقاها الطالب أو الطالبة في المراحل التعليمية المختلفة حتى وصلت إلى الجامعة، كما أن الدروس الخصوصية تتسبب فيما يسمى "الارتباك الأسري"، فمع بدء العام الدراسي بشكل عام واقتراب موسم الامتحانات بشكل خاص تنتاب أولياء الأمور حالة من الخوف الشديد من إخفاق أبنائهم في مادة ما، أو الرسوب بمادة أخرى، ويبدأ التطلع من اليوم الأول إلى كيفية النجاح والتفوق لهؤلاء الأبناء، والذي لن يتأتى في اعتقادهم إلا بالدروس الخصوصية، وهنا يحدث الاختلال في مواعيد الالتزامات الأسرية من مواعيد الطعام والخروج والنوم واللقاء الجماعي، أو حتى الواجبات الاجتماعية في محيط الأسرة الكبيرة.

ولا شك أن المتضرر الأول من الدروس الخصوصية هو الطالب؛ فالأثر النفسي الواقع عليه أشد وطأة، ذلك أنه لا يقتصر على مجرد التوتر والخوف والقلق؛ بل يمتد ذلك إلى إكساب نفسية الطالب مجموعة من السلوكيات النفسية التي تصحبه لفترات طويلة من مراحله العمرية إن لم تمتد معه كامل حياته.

وتولد الدروس الخصوصية روح الاتكالية لدى الطالب وعدم الاستعداد للتركيز مع المعلم داخل الفصل، بينما يتلقى المعلومات على شكل "كبسولة" من المعلم الخصوصي، ويتحول الطالب إلى آلة تسجيل للمواد التي تدرس له بطريقة هي مجرد نماذج من الإجابات يحفظها الطالب عن ظهر قلب بدون تعمق في المضمون، ويدخل الطالب الامتحان ليفرغ التسجيل الذهني، كما يفقد المعلم سيطرته على الطالب في الفصل، إذ إن الكثير من الطلاب يعتبرون أخذهم دروسًا خصوصية عنده منةً يجب أن تقابل من المدرس بتذويب للفوارق المعتبرة بين المدرس والطالب، ويحدث لون من ألوان الفوضى في العلاقة بينهما، وليس تقاربًا كما يظن البعض، وهو ما يصيب المدرس بعدم احترام لذاته، يتنامى مع مرور الوقت حتى يصل لمرحلة التبلد.

لكن مع كل هذه السلبيات لا أستطيع أن أفتي بأنها حرام كما أفتى فضيلة الوزير، والذي عليه أن يقضي على هذه الظاهرة عبر اتباع أساليب علمية وليس عبر إدخالها بند الحرمة واستغلال الدين في ذلك، فعليه بداية أن يسعى لإخراج قانون يقضي بأن من يدخل مهنة التدريس يعد له اختبارات مؤهلة، فيجب أن يكون هناك اختبار نفسي وسلوكي وعلمي وشخصية وهيئة.. إلخ، حتى نختار لأبنائنا المعلم الصالح، وللأسف نجد أكثر من 40% لا يصلحون لمهنة التدريس لأسباب مختلفة، وهؤلاء مهما زادت رواتبهم فلن يكونوا قادرين على العطاء، كما يجب السعي لزيادة دخل المعلم الصالح للتدريس وتقليل كثافة الفصول وزيادة الرقابة على المعلمين وقياس نتائجهم ونجاحهم بمستوى طلابهم، وربط حوافزهم بتقدم مستوى طلابهم حتى يتم القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية.

وأخيرًا أهمس في أذن وزير التعليم، هناك فئة من المعلمين الإخوان الإرهابيين في الوزارة، وهؤلاء الآن قد جاءتهم تعليمات بتخريب عقول التلاميذ في الفصول، وبث المنهج الإخواني، وتحطيم الدولة عن طريق ذلك، ويفعلون ذلك في فصولهم بطرق ملتوية لأن باب الفصل يغلق عليهم مع التلاميذ الذين يكونون لقمة سائغة لهم دون رقابة، فهل بحثت سيادتك في هذه المؤامرة الخطيرة على مصر، ومنعت هؤلاء من بث سمومهم في آذان الطلبة، وعملت على إبعاد هؤلاء عن العملية التعليمية بدلا من إقحام نفسك في باب الفتوى؟!
الجريدة الرسمية