رئيس التحرير
عصام كامل

الجنرال «فرج»


كان شهر أكتوبر الماضي هو شهر الاحتفال بالنصر الأعظم في تاريخ العرب الحديث على العدو الإسرائيلي، وفي كل عام تتجدد الذكريات، والحكايات، ونتذكر أبطالا، من الأحياء، ومن الشهداء، وتتوالي القصص والروايات، على ألسنة من عاشوا وكابدوا الحرب فصلا بعد الآخر، ومن بين أعظم الرواة الذين عاشوا وكابدوا، يبقى الحكاء المتدفق اللواء أركان حرب الدكتور سمير فرج، المدير السابق لسلاح التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة.


ومن عجب أن نوفمبر الحالي يأتي ليحتفي فيه الشباب المصري بشباب العالم، في شرم الشيخ، حيث يقف الجميع هنا من أكثر من ٣٠ دولة للمناداة بالسلام ونبذ الحروب والاتحاد من أجل مواجهة الإرهاب.

 أكتوبر إذن كان لتمجيد الماضي ليكون حقولا من الطاقة تمد المستقبل بوقود الأمل. ونوفمبر الحالي بشبابه ومنتداه الدولي الناجح، هو تتويج لما قدمه جيل الآباء من القادة العظام في الجيش المصري.

والحق أن شهر أكتوبر الماضي كان شهر مؤرخ العسكرية المصرية المعاصر الجنرال فرج، ولقد استضافته معظم الفضائيات المصرية والعربية، لأنه كتاب حي مصور عما كان يجري للإعداد للحرب، ولوقائع الحرب، وما بعد الحرب، يروي القصص، ويكشف أسرارا، ويزيح التراب عن علاقات. متشابكة في تلك الحقبة الحرجة من تاريخنا الوطني. حين يحكى جنرال الحرب عن الجندي المصري، والقدرة الهائلة على التحمل وعلي الإبهار البطولي في القتال، يحكي باعتزاز المنتمى إلى الجيل العظيم، دون أن يفقد إيمانه وحماسه وشغفه بأبناء الجيل الحالي في العسكرية المصرية.
 رؤية المؤرخ المتجددة هي ما يهمنا في هذا المقام، فهو يتابع كل صغيرة وكبيرة في التاريخ العسكري للحرب التي انتصرنا فيها، يقرأ أرشيف العدو المتاح، وقرأ ما تطلقه الدول الغربية من أسرار، ويصنع من كل ما يقرأه صورة تكتمل بالمعلومات المتاحة له في مصر، صورة تدعو كل مواطن إلى الزهو وإلي الفخر، بل إلى الإيمان بأننا قادرون على التحمل إلى درجات لا يتصورها العدو ذاته.

شغل اللواء دكتور سمير فرج مناصب عديدة بعد خروجه من الشئون المعنوية، فأدار بنجاح دار الأوبرا المصرية، وجعلها ضياء وفنا، طوال العام، ومازلت أذكر بالامتنان له وللفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، التيسيرات العظيمة التي قدماها لنا في جريدة الميدان المستقلة، ووقتها كنت رئيس التحرير، وكنت أحتفي بالنجم عادل إمام ونجدد له إعجابنا به، وقت هجمة محمد هنيدي الناجحة عليه. كان الدكتور سمير فرج يشد على يدي مهنئا نجاح الحفل الكبير بالقاعة الكبري، حضره سبع وزراء ومئات الفنانين، وغني محمد منير وآمال ماهر، وألقي الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي قصيدة شعر طربت لها العقول والقلوب، ولولا التنظيم والحزم والذوق وإدارة الفنان سمير فرج ما نجح حفل جريدة الميدان، الله يرحمها، ويرحم صاحبها الحاج محمود الشناوي.

ولا يزال أهالي الأقصر الطيبون يذكرون لمحافظهم سمير فرج إنجازاته، وطيبته وصبره، وتفاعله مع مشاكلهم، وفتح أبواب العمل والرزق، والتشاور معهم في كل ما يمس سكنهم وحياتهم، وكيف جمل مدينتهم واستعان بالهيئة الهندسية لتنفيذ المشروعات، درءا للشبهات وإبعادا لفساد محتمل في مثل هذه العمليات.

كان فخورا بتجربته وهو يحكي لي عنها وأنا وهو في معبد الكرنك، ذات ليلة، أمام الكاميرات، في برنامجي صاحب المعالي على أون تي في، وأذيع اللقاء في حلقتين، انساب فيهما المحافظ سردا بالقصص والمعلومات، وتلك هي أبرز ميزات هذا المؤرخ الوطني الجاد.

تلك كلمة حق كانت واجبة قبل أسبوع، لولا ضغط الأحداث حولنا، وهي من حق هذا الرجل، ولابد أن نقدم للكبار عطاء وموهبة، باقات امتنان مما نحمله لهم في صدورنا، وهم بيننا أحياء، وأن نكف عن تمجيد الناس بعد ذهابهم. ومن حقنا أن نطالب الجنرال صاحب الحيوية، بحفظ ذاكرته صوتا ومجلدات، لتستفيد منها الأجيال، فما حاربنا  إلا ليحيا الأبناء والأحفاد في عزة وكرامة.
تحية للجنرال فرج، العامل في صمت لحساب أمته وجيش وطنه، حتى الآن، والمنطلق في تدفق، لتخليد بطولات الرجال من أبناء القوات المسلحة المصرية.

الجريدة الرسمية