رئيس التحرير
عصام كامل

المطرب التونسي لطفي بوشناق: أنا تلميذ مجتهد ولا ألهث وراء النجومية

فيتو

  • الوطن العربي تربى على سماع الطرب المصري 
  • «الثقافة والفن» مادة التصدير الوحيدة التي يمتلكها الوطن العربي
  • مصر حائط الصد أمام الإرهاب وحامية للدول العربية
الموسيقى لا تخضع للتفتيش، فالحواجز تتساقط واحدا تلو الآخر متى لامست أنامل العازف آلته الموسيقية، فهي اللغة الأسرع تأثيرًا مهما كانت الثقافة النابعة منها، والفنان هو برقية السلام المرسلة من شعب وأمة لأخرى، ويمثل المطرب التونسي الكبير لطفي بوشناق، رسالة سلام ومحبة وأصالة عريقة، يطوف بها بين الشعوب ليصدح بكلمات تلك الرسالة وفحواها.

طوال مسيرته الفنية رسم بوشناق لنفسه ملامح ومبادئ فنية، لا يحيد عنها ولا يحاول تغيير مساره، حيث يؤمن بقدرة الفنان على أن يكون مرآة الشعب والوطن، والمعبر عن همومه وما يخالج قلبه.. وفي لقاء جمعنا ببوشناق، على هامش مشاركته في مهرجان الموسيقى العربية بدورته السادسة والعشرين، دار الحوار على النحو التالي:

• أقمت حفلات في مختلف بلدان العالم.. فما الخصوصية التي تشعر بها في مصر؟
- المسرح بالنسبة لي هو المكان الأكثر قدسية في العالم، ولا بد أن أكون صادقا مع الجمهور الذي حرص على حضور حفلي، أما بالنسبة لمصر، فتشعر على أرضها أنك تملك العالم والمنطقة بأسرها؛ لما لها من تاريخ وحضارة، ضاربة في عمق التاريخ، خاصة أن الوطن العربي تربى على سماع الطرب المصري، وتتلمذ على يد أساتذة الفن فيها.

• بماذا يتميز مهرجان الموسيقى العربية عن غيره؟
- يضم مطربين وموسيقيين من مختلف الدول العربية، فيصنع على مدار دوراته مزيجا من الثقافات الغنائية والموسيقية، وهو ما يمكن الجمهور من التعرف على تلك الثقافات، إضافة إلى أنه يمنح جرعة فنية مركزة، تؤهله للارتقاء بالأذن، خاصة أنه يعمل على إحياء التراثيات، فيكون بمثابة جسر يعبر من خلاله الجمهور إلى عالم مختلف، كما يهتم المهرجان بالمطربين الشباب، ويمنحهم فرصة العبور للجمهور، وإلى فضاء رحب يحتضن الأغنية العربية وأصالتها وعراقتها.

• خلال الفترة الماضية تراجعت حفلاتك في مصر.. فما السبب؟
- أنا متواجد على الساحة بشكل مستمر، ولكن في النهاية هناك عبارة شهيرة تعبر عن هذا الموقف، وهي أن الضيف في يد المضيف، لذلك عندما يعرض عليَّ إقامة حفلات وأمسيات في مصر أو أي بلد أقبلها بسعة صدر، إلا أنه في الفترة الأخيرة نسبة حفلاتي في الدول الغربية أضعاف العربية.

• ولكن في الغرب يتحدثون بلغات مختلفة عن العربية؟
- هم يملكون شغف التعرف على الثقافات المختلفة، فالموسيقى الكلاسيكية الغربية والجاز والبوب هي أنواع متداولة لديهم، وتعرفوا على أنماطها بما فيه الكفاية، لذلك يطلبون الموسيقى والأغنية العربية للتعرف على ملامحها، واللغة لا تقف حائلا بين المطرب والجمهور، فيمكنك سماع أغنية بلغة غير العربية، ولكنك تتفاعل فيها وتشعر بموسيقاها، لذلك الموسيقى أكبر من أن تقف على حاجز اللغة.

• تحدثت عن قدسية المسرح بالنسبة لك، فهل يمكن أن يختلف مسرح عن آخر أو جمهور عن آخر؟
- لا، فالمطرب الحقيقي يشبه الطبيب الذي يجري عملية جراحية، فلا يهتم بشخصية المريض، ولا يهتم بمكان إجراء العملية، سواء كان مستشفى خاصا أو عاما، وإنما ما يهمه هو نجاح العملية نفسها.

• مع تدهور حال الأغنية كيف يمكن للفنان المزج بين الأصالة ومواكبة العصر؟
- بالصدق، وأنا هنا اليوم معكم لأنني صادق، أقدم ما أحترمه من فن يخرج من صميم قلبي ويعبر عن مبادئي، والأهم هو أنني لا ألهث وراء الظهور بشكل مستمر على حساب المبادئ، فمنذ بداية مسيرتي الفنية وأنا أرسم مخططا لنفسي واضح الملامح ولا أتخطاه ولا أكذب على نفسي فيه، وبذلك يستطيع الفنان صُنع تلك المعادلة حتى يكسب حاضره ولا يخسر ماضية، وهذه هي وظيفة ومهمة الفنان الحقيقي، أيًا كان مجال فنه الذي يقدمه.

• هل الصدق هو سر وصف نفسك دائمًا بالتلميذ المجتهد، وتخليك عن أضواء النجومية التي يعيشها فنانو الوطن العربي حاليًا؟
- بالطبع.. فأنا لست نجما، وإنما تلميذ مجتهد، وسأبقى كذلك، فمتى شعرت وقلت أني نجم ولا يوجد نظير لي ولما أقدمه، وقتها سأطرق أول أبواب الفشل، لذلك فالمطرب أو الفنان الذي يصيبه الغرور ويسير على درب المفاخرة بالنفس سيقع حتمًا في فشل ذريع مهما طالت أو قصرت فترة نجوميته، ذلك بالإضافة إلى أن النجومية لا تصنع الخلود، والخلود لا قيمة له بدون فكرة ومبادئ، لذلك لا بد من تقديم المطرب لفن جيد ومحترم يليق به وبالجمهور.

• قدمت الكثير من الأغاني الوطنية المعبرة عن هموم الوطن العربي، فهل على المطرب الإطلاع على مجريات السياسة في بلاه للتعبير عن شعبه؟
- ليست السياسة هي ما على المطرب الاهتمام به، ولكن عليه الاهتمام بإنسانيته، وتلك الإنسانية تفرض عليه الغناء عن هموم وطنه والتعبير عنها، فالمطرب هو المرآة الصافية التي تعكس مشاعر الوطن وما يخالج قلوب الشعب.

• ما المعايير التي تحدد على أساسها الأغنية الجيدة؟
- رُقِي الكلمات والموضوع الذي تتحدث حوله الأغنية، ثم جودة اللحن وتميزه، والتوزيع الجيد، وفي عصرنا الحالي تم إضافة عنصر جديد يتمثل في الصورة للأغاني التي يتم تصويرها على طريقة الفيديو كليب.

• في الفترة الماضية أقمت في غزة "مركز بوشناق"، فإلي أين وصل هذا المشروع؟
- ما زال موجودا، ولكنه متوقف عن العمل حاليا، بسبب الضعف المادي.

• برأيك.. ما الذي يدفع الحكومات لتقليص ميزانيات الثقافة عاما تلو الآخر؟
- لأنهم يعتقدون أن الثقافة والفن أمور ترفيهية لا يجب الصرف عليها ببذخ، وهو اعتقاد سطحي للغاية، فالفنون والثقافة لا تقل في أهيمتها عن باقي الوزارات، وهو ما يظهر في جميع دول العالم الداعمة للثقافة، وكيف يستطيعون الاستفادة من الثقافة، فميزانياتنا مثيرة للسخرية مقارنة بباقي الدول، بصراحة شديدة أعتقد أن الأزمة الحقيقية هي أننا لا ندرك الكنز الفني والتراثي الذي نمتلكه في الوطن العربي، ولا نعرف كيفية استثماره، على الرغم من أن البلاد العربية لا تمتلك مادة تصدير واستثمار حقيقية سوى الثقافة والفن.

• ما السبب الذي يجعلك تحذر في جميع لقاءاتك من إفلات يد مصر إلى هوة الإرهاب؟
- لأنها مصر المحروسة، وستبقى كذلك، أبد الدهر، مهما مرت عليها الكبوات، فمصر على مدار التاريخ أثبتت أنها حائط الصد الأقوى تحملا لصدمات الغزاة والمعتدين، فما بالك لو انهدم هذا الحائط؟! بالطبع ستنهدم من بعدها الدول العربية بدون استثناء.

• ما أحلام لطفي بوشناق حاليا؟
- أحلم بتوحيد الصف العربي، وعيش جميع أوطاننا العربية في ألفة وسلام، وارتقاء الأغنية وعودتها لموضعها الطبيعي الذي تستحقه، ولكن أشعر أن عمري لن يسمح لي برؤية هذا الحلم يتحقق على أرض الواقع.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ«فيتو».
الجريدة الرسمية