رئيس التحرير
عصام كامل

اقتلاع جذور الفساد لبسط الهيمنة


تعاني المملكة العربية السعودية، من مشكلة فساد عميقة الجذور منذ عشرات السنين، فلماذا قرر الملك سلمان مواجهة سراق المال العام بشكل مفاجئ لاقتلاع جذور الفساد؟ هذا السؤال يحتمل كثيرًا من التأويل وشغل العالم، حتى أن الأمم المتحدة طلبت من السعودية تفسيرًا لحملة اعتقالات طالت أمراء وكبار رجال الأعمال ووزراء حاليين وسابقين قدر عددهم بالعشرات مع ما رافقها من إجراءات عديدة!


قبل محاولة الإجابة عن السؤال، يجب الاعتراف بحكمة وذكاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، فهو وإن كانت جميع قراراته تمهد الساحة لتولي نجله محمد بن سلمان الحكم، لكنها في الوقت نفسه تتقاطع مع قرارات تحقق مصالح الشعب وتخفف عن كاهله، وتنقل المملكة من التشدد الديني، إلى عهد أكثر انفتاحًا وعصرية، تخف فيه قبضة رجال الدين، وتمنح المرأة حقوقها المدنية، ويعرف الترفيه طريقه إلى البلد الذي عانى عشرات السنين من الانغلاق والحرمان.. وأي شعب في العالم لا يهمه إلا أن يحظى بحاكم يحقق مصالحه ورفاهيته بغض النظر عن شخصه وهويته، وهذا تحديدًا ما تطرقت إليه تفصيلا بمقال "أوامر ملكية لتمكين محمد بن سلمان" في أبريل الماضي.

من الناحية الشعبية تجد قرارات الملك سلمان قبولا وترحيبا واسعين، فما أن أصدر قرارًا بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، التي قضت بدورها باعتقال 49 شخصية بارزة تضم أمراء ورجال أعمال ووزراء حاليين وسابقين، حتى أطلق الشعب السعودي هاشتاج "الملك يحارب الفساد"، وزاد من شعبية الهاشتاج أن المستشار بالديوان الملكي، رئيس الهيئة العامة للرياضة تركي آل الشيخ شارك بتغريدة "ليلة الأحد.. لن ينجو أحد.. لا مكان للفاسدين في السعودية"، ليصبح الهاشتاج في غضون ساعات معدودة الأكثر تداولا في العالم.. دون أن يتوقف أحد عند حجم وقيمة المعتقلين، بعد تسريب تورطهم في "الفساد، غسيل أموال، اختلاسات وصفقات وهمية، الحصول على رشوة مقابل ترسية عقود ومشاريع، تلاعب في صفقات السلاح".

ومع صدور قرار "إغلاق الطيران الخاص والملكي وعدم السماح لأي طائرة بالإقلاع أو المغادرة خارج المملكة" بات في حكم المؤكد أن حملة تطهير السعودية من الفساد لن تقف عند هذه الأسماء، بل ستطول القائمة أسماء شخصيات كبيرة وكثيرة أخرى سيتم سحب أموالها وممتلكاتها وإعادتها إلى الدولة لينتفع بها الشعب، فضلا عن المحاكمة، وهكذا يتم اقتلاع جذور الفساد.

مع نبل وصدق حملة القضاء على المفسدين، ووجود كثير من صفقات الفساد وغسيل الأموال المليارية التي تمت في المملكة منذ سنوات ومازالت، لم يخل الأمر من بسط الهيمنة وإخلاء الساحة من خصوم ومعارضي الأمير محمد بن سلمان في صراع الحكم والجلوس على عرش المملكة، وقد لخص روبرت جوردان السفير الأمريكي السابق في المملكة ما يحدث بقوله "إنها خطوة كلاسيكية للقبض على السلطة، أن تقوم باعتقال منافسيك وغرمائك المحتملين تحت ذريعة الفساد".

اعتادت المملكة في السابق على توزيع السلطة والمناصب بين أسرة آل سعود، لكن تولي محمد بن سلمان غالبية المناصب السياسية والاقتصادية والعسكرية بما فيها ولاية العهد وإحكام قبضته على السلطة، لم يحظ بمباركة واجماع آل سعود، وظهر للعلن معارضين، لعل أولهم الأمير الوليد بن طلال، الذي قال صراحة "أنا أكبر أحفاد الملك المؤسس ولدي من الخبرة ما يؤهلني للمنصب ويجعلني أحق من غيري"، فضلا عن خلافه المعلن مع الرئيس ترامب، وتصريحه أنه "أنقذ ترامب من الإفلاس مرتين وأن انتخابه عار على أمريكا".

الأمر نفسه ينطبق على الأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني المعتقل بعد إعفائه من منصبه واتهامه بالفساد في صفقات سلاح، فهو يرى أن له نصيبًا في الحكم، وكان والده الملك عبدالله يعده لذلك، لكن تم إبعاده وإخوانه من جميع المناصب، ومشكلة متعب في حساسية منصبه والأسرار التي يعرفها.

لابد أن نتوقف عند وليد الإبراهيم صاحب شبكة قنوات mbc، وهو خال الأمير عبدالعزيز بن فهد، نجل الملك فهد أبرز معارضي ولي العهد محمد بن سلمان والممنوع من مغادرة المملكة منذ فترة لمواقفه الرافضة للحكم الحالي.

كما يجب عدم إغفال تزامن حادث سقوط طائرة الأمير منصور بن مقرن ووفاة جميع من فيها، مع اعتقال الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، والوضع في الاعتبار أن الأمير منصور هو نجل ولي العهد السابق مقرن بن عبدالعزيز، الذي أعفاه الملك سلمان لتعيين نجله محمد.
الجريدة الرسمية