رئيس التحرير
عصام كامل

حسـن زايد يكـتب: منتدى شباب العالم بين المؤيدين والمعارضين

حسـن زايد
حسـن زايد

منتدى شباب العالم الذي تنظمه مصر في مدينة السلام / شرم الشيخ، خلال الفترة من 5 إلى 9 نوفمبر الجاري، بمشاركة 3000 شاب من مختلف دول العالم، وعدد من رؤساء الدول والحكومات، وكبار المسؤولين، وقيادات عدد من المنظمات الدولية، ومنظمات المجتمع.

هذا المنتدي له العديد من الجوانب المضيئة، رغم محاولات البعض من ذوي النفوس المريضة، والعقول البليدة، والوجدانات السقيمة، إثارة الغبار والأتربة حول المنتدي، ومحاولات التشكيك في جدواه، سياسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، لمصر. موقفهم في ذلك، شأن موقفهم في أي عمل إيجابي، تقوم به الدولة.
فقد ذهب هؤلاء المرجفون ابتداءً إلى أن الدعوة لن تلقى آذانًا صاغية، وأنها أضغاث أحلام لن يستجيب لها أحد. وقابلوا الإستعدادات لهذا المنتدي باستهجان بالغ، باعتباره تبذيرًا وبعثرة لموارد الدولة فيما لا طائل من ورائه، مع ترك الشعب يئن أنينًا ملأ صوته أرجاء الأرض، وأجواز السماء، دون أن يسمع له أحد، أو يكترث لأناته أحد.

فلما بدأت الوفود تتوافد على شرم الشيخ تباعًا، ورسل الدول تأتينا تتري، شككوا في قدرة الدولة على استضافة هذا العدد من المدعوين، وقدرتها على تأمينهم، وكفالة معيشتهم وإقامتهم، فضلًا عن العجز عن التنظيم والترتيب والتجهيز والإعداد لمثل هذه المنتديات.

وأضافوا إلى ذلك من باب الغمز واللمز، أن الدولة قد امتنعت عن دعوة وجوه بعينها، تمثل رموزًا وطنية قائمة، وأنها حالت بينهم وبين هذا المشهد باعتبارهم معارضين للنظام، وأن النظام سيهتز ويرتبك في مواجهتهم، خلال هذا المحفل الدولي المشهود، بما في ذلك رموز إعلامية محلية ودولية، يمثل وجودهم متغيرًا فارقًا في الأحداث العالمية.

وكذا أضافوا من باب الغمز واللمز أن الشباب المصري الذي يحضر المنتدي يجري اختياره على الفرازة، حيث يتمتع بمستوى اقتصادي واجتماعي معين لا يتم النزول دونه إلى ما سواه، ويتمتع بالموافقة الأمنية. وهذا يعني أنهم شباب مجتمع الصفوة دون غيرهم، ممن لن يعودوا على المجتمع بأي نفع اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي. ويجري إعدادهم ـ هم فقط ـ لقيادة المجتمع في المستقبل سياسيًا وفكريًا، وليذهب بقية المجتمع إلى حيث شاؤوا أو فليذهبوا إلى الجحيم.

والمنطق يقتضينا مناقشة ما ذهب إليه هؤلاء المرجفون، وتفنيده، قبل الولوج إلى الجوانب المضيئة للمنتدى وعرضها.

أما عن قولهم بالتبذير وبعثرة موارد الدولة، فمردود عليه، ولن نقول مع الذين قالوا بأن الدولة لم تنفق شيئًا، ولن نؤيدهم في قولهم، لا لوجود معلومات بذلك، وإنما لأن المنطق يقتضي خلافه. ولن نذهب مع الذين ذهبوا إلى القول بأن الدولة قد تحملت ـ من قوت الشعب ـ نفقات هذا المنتدي من ألفه إلى يائه. لأن المنطق ـ كذلك ـ يقتضي خلاف ذلك. والصحيح ـ منطقيًا ـ القول بأن الدولة قد تحملت جانبًا، والقطاع الخاص والرعاة والتبرعات قد تحملوا جوانب.

أما عن القول بالتبذير والبعثرة، فمرده إلى ترتيب الأولويات، حيث اعتبروا أن الإنفاق في هذا الجانب لا جدوي من وراءه، بينما كان رد هذه الأموال على الإنفاق على احتياجات الشعب الآنية من باب أولى. والرد عليه بأن الإنفاق على الحاجات الآنية إنفاق استهلاكي، لا ينفع إلا آنيًا، أما الإنفاق على المنتدى فهو إنفاق استثماري له عوائده المستقبلية الكفيلة بالإنفاق على الجوانب الاستهلاكية على نحو دائم، وليس آنيًا. وهذا الإنفاق الاستثماري كان سببًا لوجود التبرعات، ولولاه لخسرتها الدولة خسرانًا مبينًا. فإنفاقها لجنيه، قد أتي لها بمائة جنيه لو كنتم تعقلون. 

وهذا الإنفاق ليس انفاقًا في الهواء الطلق، وإنما على تجهيزات ومنشآت ومباني باقية على أرض مصر، لن يأخذها المدعوون في جيوب معاطفهم وهم راحلون. ولن يأخذوا معهم من مصرإلا الإنطباعات الجيدة عنها، وعن شعبها، وعن قدرتها على التنظيم والعمل والأداء والتنسيق بمستويات عالمية، بما يتناسب ويتساوق مع ما عرفوه عنها من عراقة وتحضر وحضارة. وسنكسب فوق ذلك، نشر هذه الإنطباعات لدى الشباب في ربوع الأرض اليوم، وترسخها وتجذرها عند قادة الغد في الدول التي مثلت بشبابها اليوم في هذا المنتدى.

وبقاء المباني والمنشآت والتجهيزات على حالها، يوفر على مصر الإنفاق على هذه الأمور مرة أخرى، كما أنها تمثل دافعًا لدى مصر، لتنظيم المؤتمرات، وإقامة المنتديات، وهي نوع من أنواع السياحة التي تدر دخلًا، فضلا عن الفوائد الأخرى.

فهل يمكن بعد ذلك القول بأننا قد بعثرنا موارد الدولة فيما لا طائل من وراءه، وأننا بذلك نعد من المبذرين؟.

للحديث بقية إن كان في العمر بقية.

الجريدة الرسمية