رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الأحمر «الأب والابن».. حكاية عائلة صنعت مجد الزمالك في كرة اليد

فيتو

بينما كان ملايين الزملكاوية يتابعون الأسبوع الماضي، مباراة فريق كرة القدم أمام نادي وادي دجلة في الدوري العام المصري، كانت قلوبهم مع فريق كرة اليد الذي كان يخوض المباراة النهائية في البطولة الأفريقية لكرة اليد، أمام نادي الترجي التونسي، هناك في مدينة الحمامات على الأراضي التونسية.


لحظات عصيبة عاشتها الجماهير البيضاء، وهي تتابع لحظة بلحظة نتيجة المباراة التي حسمها الأبيض لصالحه في الثواني الأخيرة، وهو فوز مستحق تُوج به الزمالك بطلا للقارة الأفريقية للمرة العاشرة في تاريخه، واستعاد به نجوم القلعة البيضاء مجد ناديهم بعد عام حزين خرج فيه الزمالك خالي الوفاض ولم يحقق أي بطولة.

ومن بين جميع لاعبي الفريق الأول لكرة اليد بالزمالك الذين حققوا البطولة الأفريقية العاشرة، كان هناك لاعب واحد تهتف الجماهير باسمه وتعلق عليه آمالا عريضة في الفوز باللقب، لاعب طالما ارتبط اسمه بالبطولات وصناعة الأمجاد، لاعب اسمه أحمد الأحمر يحتل مكانة خاصة في قلوب كل من ينتمون لمدرسة الفن والهندسة، مكانة صنعها الأحمر بعرقه ومجهوده ومن قبلهما مهارته التي أهلته ليتربع على عرش قلوب كل من يتابعون كرة اليد في مصر وليس جماهير الزمالك فقط.



هناك ألعاب تصنع شعبية لاعب، وهناك لاعب يصنع شعبية لعبة، يجعل الجماهير تتابع أخبارها بحثا عن أخباره، يجبر المنافسين على الانحناء أمام موهبته والاعتراف بمكانته، يتغزل فيه المُعلقون، وتسعى كبرى الأندية في العالم لضمه إلى صفوفها، تبحث عنه الألقاب وتطارده البطولات.. أحمد الأحمر أسطورة كرة اليد واحد من هؤلاء الذين صنعوا مجد الزمالك في كرة اليد. 



لكن حكاية "الأحمر الابن" لا يمكن أن تُروى دون أن يكون في القلب منها "الأحمر الأب"، والده النجم الكبير مصطفى الأحمر أحد أهم من لعبوا كرة اليد في مصر في فترة الثمانينيات، والذي حقق إلى جانب ابنه ما يزيد على الـ50% من بطولات القلعة البيضاء في كرة اليد.


كان الوالد يتمنى أن يسلك الابن طريقا مغايرا، وألا يسير على نهجه، دفع به إلى ملاعب "كرة القدم" اللعبة الشعبية الأهم في مصر، كان يخشى أن يُعاني مما عانى منه أبوه من عدم اهتمام ومتابعة من الجماهير لكرة اليد، لكن ما حدث كان خارج توقعات الأب أحب نجله كرة اليد ونقلها من خانة "التجاهل" وحولها إلى "لعبة شعبية" تحظى باهتمام ومتابعة كبيرة من الجماهير.


عشر بطولات أفريقية، وثماني بطولات للدوري المصري، بالإضافة لتسعة ألقاب لكأس مصر. لم تكن تلك الانجازات التي حققها الأب كافيةــ من وجهة نظره ــ ليوافق على احتراف الابن كرة اليد ليستكمل مسيرة أبيه في الصالات.



فسر أحمد الأحمر سر رفض والده احترافه كرة اليد في أحد حواراته "والدي رأى أن كل ما حققه من نجاحات وبطولات لم يضعه في مصاف نجوم كرة القدم في المجتمع رغم أنه كان وما زال من أساطير كرة اليد سواء كلاعب أو مدرب".

"فيتو" ترصد في السطور التالية حكاية "عائلة الأحمر"، وتكشف كيف صنعت تلك العائلة مجد الزمالك في كرة اليد.



بأحد الأحياء القريبة من نادي الزمالك داخل إحدى البنايات المتواضعة التي تطل على شارع السودان، يعيش أيقونة الزمالك الكابتن مصطفى الأحمر أحد أساطير كرة اليد في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

شهدت تلك البناية ذكريات مشوار "الأحمر الأب"، وداخلها بدأت قصة ميلاد أسطورة الألفية الثالثة "الأحمر الابن"، لا يوجد جدار داخل الشقة البسيطة لعائلة الأحمر إلا ومزين بكأس بطولة أو ملصق كبير على الحائط يحمل صورة الأب أو الابن، مرتدين "فانلة الزمالك" أو رافعين كؤوس البطولات.



قبل خمسين عاما من الآن، كان الطفل مصطفى الأحمر شغوفا بكرة القدم وأراد أن يكون لاعبا يهتف الجمهور باسمه في مدرجات الدرجة الثالثة وحلم يومًا أن يحرز هدفا ويجري باتجاه الدرجة الثالثة وتهتف الجماهير باسمه: "بدأت حياتي محبًا لكرة القدم والتحقت بمركز شباب دمنهور في العاشرة من عمري.. ولكني فشلت في إثبات نفسي للمدير الفني، كنت وقتها في العاشرة من عمري، ورغم حبي لكرة القدم فإنني لم أقدم ما يثبت أنني لاعب كرة قدم محترف ولم يقتنع بي المدربون الذين كانوا يشرفون على تدريبات الناشئين". 

لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في اتجاه "الأحمر الأب" لممارسة كرة اليد: "حبي للرياضة دفعني للانضمام إلى ممارسة أية لعبة أخرى، فكانت الصدفة وحدها التي جعلتني أمارس كرة اليد، وبدأت المسيرة بتحقيق نجاحات كبيرة حتى وصلت إلى منتخب مصر لكرة اليد من مركز شباب دمنهور، وكان هذا إنجازا كبيرا بالنسبة لى في ذلك الوقت لأن المنتخب كان لا يلتحق به إلا لاعبو الأهلي والزمالك وبعض الأندية الكبيرة في القاهرة والإسكندرية، لكن أن ينضم إليه لاعب من مركز شباب في الأقاليم كان أمرا مستحيلا لكنه كان حدثًا رائعًا بالنسبة لى ولمدربي فريق مركز شباب دمنهور لكرة اليد".



في الربع الأخير من عام 1974 التحق "الأحمر الأب" بصفوف القوات المسلحة المصرية لأداء الخدمة العسكرية، واجهته الكثير من الصعاب في التأقلم مع الحياة العسكرية وظن أنها بداية النهاية، لكن القدر كان يخبئ له فرصة عظيمة ليبني قواعد المجد وتاريخا سيظل لأعوام متتالية ملتصقا بـنادي الزمالك: "كانت البلد خارجة من حرب وظروف الجيش كانت صعبة، بالصدف كان قائد الكتيبة اللى كنت بخدم فيها عضوا بنادي الزمالك، ذهبت له ورويت له قصتي وأني لعبت منتخب مصر لكرة اليد ومثلت المنتخب في أكثر من بطولة، وعلى الفور تواصل مع الدكتور كمال درويش وفي اليوم الثاني كنت ضمن فريق نادي الزمالك لكرة اليد، كانت نقلة نوعية في حياتي، وبعد أن ظننت أن مسيرتي في ملاعب كرة اليد مهددة كان للقدر رأي آخر".

يتذكر الأب بداياته داخل أسوار القلعة البيضاء وترتسم على وجهه ابتسامة: "بدأت في الالتزام مع نادي الزمالك وخضنا منافسة حرة مع الأندية المصرية، وكانت البطولة الأولى التي حققتها مع الزمالك بطولة الدوري عام 1977، وحينها أتذكر أن كل لاعب أخذ 100 جنيه، وقتها لم تكن الدنيا سايعاني وكنت أسعد مخلوق على وجه الأرض لاعب من فترة قليلة كانت مستقبله الرياضي مهدد بالانتهاء يلعب لأكبر نادٍ في أفريقيا ويحقق معه أول بطولة شعور عظيم".



لم تكن البدايات في الزمالك على أفضل ما يرام: "كنا ننام أسفل المقصورة، لم يكن لدينا أموال لشراء شقة سكنية للعيش بها، كنت أذهب للجيش أمضي الفترة وأعود مرة أخرى إلى النادي أقضى إجازتي داخل أسواره، أما الآن اختلف الأمر كثيرًا، نحن كنا الأجيال الأولى للعبة وجاءت أجيال كثيرة من بعدنا، لعل جيل أحمد الأحمر الأكثر قوة وحصدا للبطولات والأكثر حظًا إعلاميًا".

بعد اعتزال "الأحمر الأب" كرة اليد والاتجاه إلى التدريب تلقى عرضا لتدريب إحدى الفرق السعودية، اصطحب الوالد أسرته حيث مقر عمله الجديد، وهناك كان أحمد وشقيقه الأصغر يرافقان أباهما في عمله من الرابعة والنصف عصرا حتى العاشرة مساء حتى ينهي مرانه لمختلف الفرق التي يدربها، في تلك الفترة تنقل مارس "الأحمر الابن" مختلف الألعاب في النادي السعودي من كرة القدم إلى اليد إلى السلة.

حين أتم أحمد عامه الـ11 كانت الأسرة قد عادت من الأراضي السعودية لتستقر في القاهرة، وحينها بدأ الأب يعلن وبشكل واضح رفضه استمرار نجله في ممارسة كرة اليد، وطالبه بالتفرغ لكرة القدم بناء على نصيحة من النجم الكبير طه بصري الذي شاهد أحمد وأبدى إعجابه بمهاراته في كرة القدم، وقال يومها إنه لو ركز فيها سيحقق نجاحات كبيرة.

أرسل الأب ابنه إلى لجنة الاختبارات بنادي الزمالك محملا بتوصية إلى أعضائها من المدربين، لكن أحمد رفض إبلاغ اللجنة أنه ابن الكابتن الأحمر، حتى لا ينجح في الاختبارات، لكن الغريب أن أعضاءها اختاروه بالإجماع للعب في الفريق الأول الأساسي للنادي في فئته العمرية.

لم يسع أحمد للصدام مع الوالد، حقق له رغبته في الانضمام لفريق كرة القدم لكنه حافظ في نفس الوقت على حضور تمرين فريق اليد، وحين علم الأب بذلك عنف مدرب اليد وطلب منه منعه من التدريب، تفرغ بعدها الابن لتدريبات كرة القدم لفترة 5 أشهر، لكن شغفه بكرة اليد ظل ملازما له إلى أن أقنع مدربه والده بالسماح له بالمشاركة في بطولة لليد تقام مرة وحيدة كل عام، شارك أحمد فيها وكان من نجومها ومن حسن حظه فاز الزمالك بالبطولة.

ويحكي أحمد عن كواليس تلك الفترة: "لجأت إلى والدتي التي وقفت بجانبي وساندتني كثيرا، وأمام إصراري الكبير استسلم لوالدي لرغبة ووافق بصعوبة شديدة بعدما شاهدني في أكثر من مباراة".



يعترف الأب بدور زوجته في حمل هم ابنهم الأكبر أحمد وكيف ساهمت في تقويم شخصيته، فضلا عن سعيها المتواصل وراء نجلها كي يصبح أسطورة مثل أبيه.

في وداعة الأم والزوجة المصرية جلست السيدة فاتن الأحمر بجوار زوجها وهو يسرد علينا مسيرته داخل صالات كرة اليد، والتقطت أطراف الحديث: "لم تختلف بداية أحمد كثيرا عن بداية والده، الاثنان جمعهما حب اللعبة الثانية من حيث الشعبية في مصر".

تروي والدة الأحمر حكايات من جعبة مسيرة زواج استمرت ما يزيد على الثلاثين عامًا، عرفت من خلالها أدق التفاصيل عن قواعد كرة اليد وأهم المدربين الذين مروا على تاريخ اللعبة.



زوجة لأسطورة وأم لثلاثة أطفال جميعهم مارسوا واحترفوا كرة اليد: "أحمد منذ نعومة أظافره وهو مستمع جيد، يفكر كثيرا ولا يتخذ قرارات متسرعة، وحبه لكرة اليد كان بوصلته في مسيرته الرياضية".

البداية عند الأم دائما مختلفة.. أراد الأب أن يحقق حلم حياته في ابنه، وأن يلعب الولد صاحب الست سنوات كرة القدم، لكن جاءت رغبة الابن مخالفة لتمنيات الأب: "أحب أحمد كرة اليد بشدة، وأراد والده كرة القدم، رفض الأخير تقديم أي مساعدة لنجله ورفض حضور تدريباته كان يخشى أن يحترف أحمد كرة اليد وأن يعاني مما عانى منه من تجاهل وعدم اهتمام باللعبة كان يقارن دائما بينه وبين لاعبي كرة القدم والشهرة والأموال التي يحصلون عليها".

هنا تحدث الوالد: "أخذته من يده إلى ستاد كرة القدم وشاهد الجمهور العظيم والهتافات التي تهز الملعب، أردته أن يحب كرة القدم.. ولكنه خذلني وأراد العيش في جلباب أبيه".

مصاعب عديدة تحملتها الأم كي يحقق الابن أمنيته ويلعب اللعبة التي أحبها على غير رغبة الوالد: "كان لاعب كرة قدم مهاريا لكن حبه لكرة اليد أكبر من حبه لكرة القدم، كان يلعب كرة اليد دون أن يعرف والده الذي كان يرفض مشاهدته، كنت حريصة على التواجد معه أثناء اللعب لتشجيعه على الاستمرار وتحقيق البطولات".

تتذكر كيف كانت تقوم بدور الأم والمدربة في خدمة الأسطورة أحمد الأحمر: "كانت مرحلة الثانوية العامة، وكان أحمد يأخذ الدروس الخاصة في كافة المواد ويحضر أصدقاءه والمدرسين داخل المنزل، وفي إحدى السنوات كنت أحضر الدروس بدلا عنه وأسجل كل ما يقوله المدرس وأعيده على أحمد عندما يعود من التمرين".

يمسك الأب بدفة الحوار من جديد ويتذكر كيف كان إحساس أحمد بأول مبلغ مالي حصل عليه من احتراف كرة اليد: "عندما كان في سن السادسة عشرة حصل على عقد رعاية بـ 10 آلاف جنيه، وكانت سعادته لا توصف بذلك المبلغ وجاء بأول هدية لوالدته من ذلك المبلغ".

يعترف الأب أنه أراد بشدة أن يصبح نجله لاعب كرة قدم ولكنه الآن.. والآن فقط أدرك أن طفله المدلل كان على صواب وأن اختياره كان لائقا على إمكانياته وقدراته الأسطورية.

تشعر الأم بشيء من الاشتياق الدائم لنجلها، وتتذكر الإصابات التي كانت تزوره بين الحين والآخر "الإصابة التي تعرض لها في الركبة كانت أصعب فترة مرت عليه وعلينا، استمر ما يزيد على عشرة أشهر دون أن يلعب مهتما فقط بالعلاج، عانى كثيرًا، أذكر أنه كان يتحامل على نفسه كثيرا إذ كان يطلب من طبيب الفريق حقنه بالمسكنات دون علم المدير الفني حتى يستطيع اللعب".

نقلا عن العدد الورقي.
Advertisements
الجريدة الرسمية