رئيس التحرير
عصام كامل

أكذوبة العقل


سألت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: "يا رسول الله بم يتفاضل الناس، قال بالعقل يا عائشة، قالت ذاك في الدنيا فبم يتفاضلون في الآخرة؟ قال، بالعقل، قالت كيف؟ قال، وهل عمل الناس إلا بقدر ما عقلوا"، هذا وتتفاوت العقول عند الناس، فغالبيتهم قد غاب عقله على أثر غلبة أهواء أنفسهم على أنوار عقولهم، وهناك قلة قليلة من الناس غلب نور عقولهم على أهواء أنفسهم وهؤلاء هم الذين استقاموا على أمر الله واهتدوا بهدي رسوله عليه الصلاة والسلام وعملوا على تزكية أنفسهم وتنقية سرائرهم فجمع الله لهم بين أنوار القلوب وأنوار العقول ووهبهم سبحانه وتعالى فهما ربانيا وهؤلاء هم السادة الأولياء، ومن العجب أن أدعياء العقل ينكرون ويتطاولون عليهم، وإلى هؤلاء الأدعياء أهدي مقالتي لعلهم ينتبهوا ويفيقوا..


قف يا صاحب العقل عند حدود عقلك فلو تدبرت معنى كلمة العقل وهي العقال، أي القيد الذي تربط به وتقيد الأشياء، لنحيته جانبا مع أصحاب القلوب والعقول الفاهمة عن بارئها سبحانه وتعالى، أين عقلك عندما تغلب أهواء نفس وتخرجك عن إنسانيتك ورشدك وتجعل منك بهيمة بل أسوأ حالا وأضل سبيلا، أين عقلك يا صاحب العقل عندما تتحكم فيك الغرائز والشهوات وتميل وتنحط وتتدنى وتكون أشبه بالحيوان وتتدلى من رتبة الآدمية المكرمة من الخالق سبحانه وتعالى إلى مرتبة البهيمية الحيوانية، أين عقلك عندما تنسى حقيقة نفسك وضعفك واحتياجك وعوزك لربك ومولاك الذي خلقك وسواك ومالك ناصيتك..

العقل نعمة من الله تعالى إذا حال بين نفسك وهواها وميز بين ربوبية رب الأرباب وبين عبودية العباد وأدركت به من أنت ومن تكون، أين عقلك عندما تبارز الله وتعصاه بنعمه تعالى التي أنعم بها عليك، أين عقلك عندما تنشغل بدنيا فانية وتركن إليها وتقاتل من أجلها ولا تعمل لدار الخلد والبقاء، أين عقلك وأنت تكذب وتخادع طمعا في مكسب مؤقت حقيقته خسارة، أين عقلك وأنت تسمع نداء ربك سبحانه ولا تستجيب وتؤثر اللهو والعبث على أسباب سعادتك في الدنيا والآخرة، أين عقلك وأنت تجلس على أدوات الاتصال على الموبيل الفيس وخلافه بالساعات وتغفل عن طاعة ربك وذكره وعن آخرتك ومآلك..

ألم تتعظ نفسك بموت الآباء والأمهات وغيرهم من الأموات، أف لعقل انصاع لهوى النفس وميلها، ولم يقد صاحبه إلى طاعة ومرضاة ربه، أف لعقل عجز عن أن يقود صاحبه إلى النور والهداية وبر الأمان والسلامة، أف لعقل قاد صاحبه للخسارة والضياع والهلاك، أف على صاحب عقل روع الآمنين وسفك دماء الأبرياء وأهلك الحرث والنسل وسعي في خراب الأرض وإفسادها، أف لعقل لم يعقل عن ربه عزوجل، وآثر هوى نفسه على طاعته سبحانه، هذا وللأسف كلنا يدعي العقل بل يظن الكثيرون منا ويتوهمون أنهم أعقل العقلاء وإذا ما نظرنا إلى واقع البشرية وأحوالها لأيقنا أننا مدعون للعقلانية وأننا أبعد ما نكون عن نور العقل ورشده، أليس هذا حالنا يا من ندعي أننا عقلاء، أطماع وحروب وصراعات وتقاتل وفساد وإفساد ولهو وعري وخلاعة ومجون وعبادة أنفس وغرائز وشهوات ودينار ودرهم وغياب القيم والأخلاق، كل هذا وأكثر هذا هو حال غالبية البشر الذين يدعون أنهم عقلاء.
الجريدة الرسمية